IMLebanon

بعد يوم الفاتيكان: إنقاذ أي لبنان؟

 

لبنان ليس آلة تعطلت نسعى لتصليحها بمقدار ما هو مصاب بعطب بنيوي يصعب إصلاحه. ويوم لبنان للصلاة والتفكير في الفاتيكان يعيد تذكيرنا بما جاء في الإنجيل: ماذا يستفيد الإنسان إذا ربح العالم وخسر نفسه؟ ولبنان خسر نفسه، وسط تعاطف العالم معه. خسره المسيحيون ولم يربحه المسلمون. ولا شيء يوحي أن المسيحيين والمسلمين جاهزون، حتى إشعار آخر، لإستعادته بالتحول الى مواطنين في دولة مواطنة. هو”الوطن-المغامرة” في الشرق. لكن قدره “الدولة-التسوية” المعرضة للزلازل والصراعات والحروب والبحث عن تسويات تفرضها موازين القوى أكثر من موازين المصالح.

 

وليس “البلد-الرسالة” كما سماه البابا يوحنا بولس الثاني سوى تعبير عن الدور المتفرد الذي يقوم به المسيحيون والمسلمون معاً، لا أي واحد منهم. دور العيش المشترك بأبعاده السياسية والثقافية والإجتماعية في إطار الحرية والمساواة، لا العيش المشترك الذي تسعى هذه الطائفة أو تلك للهيمنة كلما شعرت بشيء من القوة أو إستقوت بتطورات خارجية. اليوم، حيث يتكامل إنهيار الدولة والسلطة والإدارة والخدمات، وصلنا الى خسارة البلد والرسالة. والمعادلة معروفة: لا بلد من دون رسالة، ولا رسالة من دون بلد.

 

ذلك أن المافيا السياسية والمالية والميليشيوية التي دفعتنا بعيون مفتوحة الى “جهنم” لا تزال تكمل جرائمها بدم بارد وتفاهة في خطاب التنصل من المسؤوليات. ومن الوهم انتظار معجزة يقوم بها الفاتيكان تنقلنا الى الجنة. فالدعوات الى إنقاذ لبنان في الداخل كما في الخارج تتركز على إجراءات وإصلاحات تخرجنا من تحت الصفر، لكنها تتجنب سؤالاً لا مهرب منه: أي لبنان مطلوب إنقاذه؟ لبنان الذي خسر نفسه بالصراعات على الأدوار والمال والسلطة؟ لبنان الذي يراد له وراثة لبنان الميت والمبني على الهيمنة والمزيد من الطائفية والمذهبية؟ ماذا عن القوى التي ترى أن السعي لإنقاذ “البلد-الرسالة” هو “مؤامرة كونية” على الفرصة المفتوحة، لتغيير هوية لبنان وجوهره وربطه بقطار مشروع إقليمي على حساب العرب؟ وماذا عن تضييع ما بقي من الجمهورية في الصراع على الرئاسة البائسة واليائسة التي يتحكم بها “محور الممانعة”؟

 

ليس أخطر من اللاسياسة سوى سياسة “كسر العضم”. فهي كانت ولا تزال فاشلة تنتهي بكوارث أو حروب. والأخطر هو أن يمارسها هواة صغار ومحترفون خبراء في سياسة الأحقاد والصغائر. أما الإنقسام السياسي على الأساسيات، لا فقط على الهوامش والتفاصيل، فإنه “كعب آخيل” اللبناني. فضلاً عن أننا نزلنا كثيراً تحت ما تسميه الإيكونوميست “البريطانية” توازن المخاطر. ففي توازن المخاطر إمكان الحفاظ على “الستاتيكو” في انتظار التغيير. وفي غياب التوازن، فقدان الوزن وعجز عن وقف الإنهيار وعن رؤية ما بعده.

 

كان ماركس يقول: “أنا أتخذ مما هو مضحك موقفاً جاداً”. أما نحن، فقد صرنا مضطرين للضحك من المواقف التي يظن أصحابها أنها جادة.