بعد افتتاح البلاد روزنامة السنة الجديدة، تعود الاستحقاقات الدستوريّة والسياسيّة التي لم تنته فصولها العام الماضي، تلقائياً الى الواجهة، لتطغى على الساحة اللبنانيّة مع ما ستحمله من نقاشات وأخذ ورد قبل ولوج تفاصيل الحلّ النهائي.
ملفات كثيرة ستطرح مجدداً على طاولة البحث بين اللبنانيين، ولعلّ أبرزها بعد الانتهاء مبدئياً من أزمة النفايات التي أرهقت البلد طوال الفترة الماضية وكادت أن تؤدي الى صدامات في الشارع، هو ملف تفعيل عمل الحكومة التي اجتمعت أخيراً لإقرار خطّة تصدير النفايات.
وسيكون جدول أعمال أي جلسة حكوميّة مقبلة زاخراً بعشرات الملفات الحياتيّة التي تنتظر المعالجة وسط تردّي الاوضاع الإقتصاديّة والمعيشيّة، إلّا أنّ ملفّ انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة سيبقى أولويّة الأولويات بعدما اكتشف الجميع، وبعد 26 عاماً على توقيع إتفاق «الطائف»، أنّ دور رئاسة الجمهوريّة محوريّ، وبغياب الرئيس تُشلّ السلطتان التنفيذيّة والتشريعيّة ومؤسسات الدولة.
ترتبط كل الملفات ببعضها البعض، وقد يكون استعجال انتخاب رئيس للجمهوريّة هو مدخل إلزاميّ لحلّ الازمات كما باتَ معلوماً، لأنه بعد انتخابه، ستتألف حكومة جديدة وينطلق عمل المؤسسات، وبالطبع ستعود الحياة الى مجلس النواب، المؤسسة الأمّ، والذي بانتظاره إقرار عشرات لا بل مئات مشاريع القوانين العالقة، ولعلّ أبرزها قانون انتخاب جديد.
وفي إطار المواقف من المسألة الرئاسية والضغط من أجل إتمام الاستحقاق الرئاسي، يستمرّ الفاتيكان بمطالبة الزعماء الموارنة بالاتفاق على إسم مقبول لرئاسة الجمهورية، ويكرّر السفير البابوي المونسنيور غبريال كاتشيا هذا المطلب على مسامع كل من يلتقيهم من سياسيين أو خلال لقاءاته، إذ إنّ الفاتيكان يعتبر أنّ من حق الزعماء الموارنة رفضَ أيّ تسوية لا يقتنعون بها، لكن من حق الشعب اللبناني عليهم، ومن حقّ مسيحيي لبنان والشرق أن يتفقوا على مرشح للرئاسة وعدم ترك كرسي بعبدا فارغاً، لأنّ الإمعان في إفراغ هذا المنصب يضعف المسيحيين جميعاً وليس الموارنة فقط، ويجعلهم غير قادرين على إنتاج الحلول أو أن يكونوا شركاء فعليين في الوطن.
لا يريد الكرسي الرسولي التدخّل في الزواريب السياسية أو الترويج لأيّ مرشّح ماروني لأنه يعتبر انّ هذا الأمر من مسؤوليات الأحزاب المسيحيّة مجتمعة، كذلك فإنّ جميع الموارنة أبناء الكنيسة والوطن، والإسم الذي يتفقون عليه، أو ينتخب دستورياً وديموقراطياً سيكون رئيس جمهورية كل لبنان، لكنّ المهم لدى الفاتيكان أن يتصاعد الدخان الأبيض من اجتماعات الزعماء الموارنة معلناً ولادة الرئيس الجديد.
وبحسب المعلومات، فإنّ الفاتيكان يعتبر حالياً أنّ المسؤولية باتت مضاعفة على رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ورئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون وبقية القادة الموارنة لإيجاد مخرج رئاسي بعدما لم يتفقوا سابقاً على مرشح من بينهم أو أي إسم توافقي، ورفضوا المبادرات التي لم تأت وليدة البيئة المسيحية.
وفي انتظار ما سيحمله العام الجديد من تطوّرات على صعيد المنطقة، وبين الحرب الطويلة على «داعش» والارهاب ومؤتمرات السلام والمصالحة المزمع عقدها على امتداد العالم العربي المشتعل، يجهد الفاتيكان لفصل الملف اللبناني وانتخاب الرئيس عن ملفات المنطقة، لأنّ الحرب قد تطول ومن غير الجائز ترك لبنان معلقاً الى أجل غير مسمّى.
ويصرّ البابا فرنسيس على أن يأتي الحلّ الرئاسي لبنانياً ومارونياً بعدما قام شخصياً بجولة اتصالات عالميّة، إضافة الى نشاط الديبلوماسيّة الفاتيكانيّة من واشنطن الى باريس وصولاً الى طهران والرياض وموسكو وكل العواصم المؤثّرة على الساحة اللبنانية.
ومع اشتداد التوتّر السعودي – الإيراني خصوصاً بعد إعدام الشيخ نمر النمر، باتَ من غير الجائز الرهان على توافق بين هاتين الدولتين يؤسس لحلّ شامل للأزمة اللبنانية، إذ إنّ الجميع في انتظار الأيام المقبلة وما ستحملها معها على صعيد لبنان والمنطقة ليبنى على الشيء مقتضاه.