قلق في بكركي. اذ يزداد الفرنسيون تشاؤماً حول مستقبل لبنان، ثمة قوى محلية تأخذ المسائل من زوايا أخرى، ولأغراض أخرى. تقارير ومعلومات ملفقة، ومصنّعة احترافياً، حول رهان جهة معينة، ليس فقط على سقوط رئاسة الجمهورية، وانما أيضاً على سقوط الجمهورية.
الغاية «استكمال» تلك الجهة انشاء دولتها على مفاهيم ايديولوجية يزول معها كل أثر لـ «الظاهرة اللبنانية»، كما لو أن باستطاعة أي مكوّن داخلي، مهما بلغت قوته، ومهما بلغ جنونه الاستئثار بالسلطة، أو احداث تغيير في هيكلية السلطة…
من سنوات، والقلق يهب على بكركي أن تخسر الطائفة الموقع الأول في الدولة، عقب خسارة الكثير من الصلاحيات «التاريخية» للموقع. أصابع الاتهام كانت غالبا توجه الى القادة الموارنة بسبب خلافاتهم التي طالما شهدت لحظات دموية، أو بسبب اللوثة النرجسية. أحد الأساقفة قال ان «كل واحد من هؤلاء يشعر بأنه خليفة المسيحيين، ولا وجود في كنيستنا للخليفة»!
ومن السيناريوات المصنعة أن قوة اقليمية تحاول، وفي خضم الفوضى العالمية الراهنة، تنفيذ مخططاتها الجيوسياسية، والجيوستراتيجية، بوضع اليد على بلدان في المنطقة هي في حال اهتزاز سياسي أو طائفي أو اقتصادي. ولكن، كما نلاحظ، حتى الدول الاقليمية الكبرى باتت تخشى من تأثير التفاعلات الدولية ليس فقط على دورها، بل وعلى وحدتها أيضاً.
باحثون بارزون يعتبرون أن الصراع بين أميركا وروسيا حول النظام العالمي بلغ نقطة اللاعودة، ويمكن أن ينتقل في أي لحظة، الى منطقة (أوالى مناطق) أخرى. المسرح الأوكراني بات ضيّقاً جداً للعب الاستراتيجي المتعدد الأبعاد. لا بد من مسرح آخر، وحيث تظهر، بوضوح أكثر، نقاط القوة ونقاط الضعف لدى كل من الجانبين.
هذا ما يترك للتخيلات الرمادية أن تأخذ مداها. ولا شك أن الكثيرين يلاحظون كيف تم «توضيب» الأزمة العراقية بين ليلة وضحاها، بعدما كانت الدلائل ترجح وقوع انفجار هائل، بنتائج كارثية على بلاد الرافدين.
في هذه الحال، من الطبيعي أن تسأل بكركي، وقد توقف السياق الخاص بـ «لبننة العراق»، لماذا لا تتم «عرقنة لبنان»، أي أن تتقاطع المصالح الدولية والمصالح الاقليمية باقفال باب الاحتمالات، تالياً انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة في وقت قياسي.
لا مجال للمقارنة الميكانيكية بين لبنان والعراق. هنا «اسرائيل»، وهناك دولة باحتياطي نفطي هائل، وتتاخم ست دول لطالما وصفت بقوس الأزمات في الشرق الأوسط..
ما الشيء الخطير الذي سمعه البطريرك في الفاتيكان، ليحمل على الرئيس نبيه بري، ما جعل البعض يستنتج أن المقصود الطرف الثاني في «الثنائي الشيعي». ولكن ألم يستند رئيس المجلس النيابي الى تفسير البطريرك صفير للنصاب، وهو الذي ما زال قادة مسيحيون يرون في كلامه فوق كل كلام؟
قيل لنا ان وليد جنبلاط، كصانع للمفاجآت، فوجئ بالموقف البطريركي. هو الذي يعلم مدى الاحترام المتبادل ومدى الثقة المتبادلة بين بكركي وعين التينة.
ولكن أليست قناعة الرئيس بري بأن حزب الله قد يكون الأكثر اصراراً على ملء الفراغ الرئاسي، وحين يقف مع مرشح معين، لا يهبط هذا المرشح من كوكب آخر، بل هو في صميم «الحالة المارونية» والتاريخ الماروني.
من أكثر من مصدر سياسي وديبلوماسي، أن لبنان يقف فعلاً على حافة الهاوية، حتى اذا لم تتخذ على وجه السرعة، الاجراءات الخاصة بالحيلولة دون ما هو أكثر كارثية، وينذر فعلاً بزوال الدولة، فان البلد على أبواب فوضى أبوكاليبتية لا تبقي ولا تذر.
المشكلة ليست تقنية وتتعلق بنصاب الثلثين، هي مشكلة بنيوية، وتتعلق بصراع المفاهيم، وبصراع السياسات، وهو ما درجت عليه الحلبة اللبنانية منذ القرن التاسع عشر لتستدعي التدخلات الخارجية أو الحروب الطائفية.
في معلوماتنا أن الاتصالات البعيدة عن الضوء «شغالة» على أكثر من مستوى. ثمة من يهمس في أذن جبران باسيل «لا تدع سمير جعجع يسبقك الى تأييد سليمان فرنجية». ولكن ألا تتردد معلومات تقول ان ثمة اسماً واحداً يتم تداوله في الفاتيكان، وفي الاليزيه، وفي قصر اليمامة: الجنرال جوزف عون؟!