Site icon IMLebanon

الفاتيكان يلعب آخر الأوراق!

يكاد ينقضي عام على بعبدا بلا رئيس. وإذا بقي الملف الرئاسي على مساره بين المتناقضات إقليمياً والمتناقضين محلياً، فقد يمضي عام آخر، أو حتى أعوام، بلا رئيس للجمهورية. فهل هناك ما يمنع ذلك أو مَن يمنعه؟

لا مكانَ للرئاسة في سلّم الإهتمامات. إقليمياً، الجميع منشغل بشؤون أشدّ أهمية بكثير: الصراع السنّي- الشيعي على امتداد الشرق الأوسط ومصير الكيانات القائمة. وأما محلياً، فالمسيحيون، أصحاب الشأن في الدرجة الأولى، منشغلون أيضاً، ولكن بشؤون أقل أهمية بكثير: مَن هو الزعيم الأكثر شعبية، مسيحياً، ليستحقّ الفوز بالقصر؟

وقد يتذكَّر المعنيون أو لا يتذكرون أنّ هذه «الشعبية»، نتيجة أَفضالهم المستدامة، لم تعُد شيئاً يُذكَر، وأنّ «الشعبيات» المسيحية التي يتقاتلون عليها لم تعد سوى آلاف من الذين صمدوا أو المضطرين إلى الصمود في أرضهم، لإنعدام فرصة المغادرة…

في هذه الأجواء، واستلحاقاً لما بقي من دورٍ للمسيحيين في لبنان، ثمة تحرُّك وحيد في عمق الملف الرئاسي، هو ذلك الذي يقوم به الفاتيكان. وفي المعلومات، أنّ الكرسي الرسولي الذي استنفد الإتصالات الإقليمية والدولية في سبيل ملء الفراغ الرئاسي، يتحرك اليوم لدى القوى اللبنانية، والمسيحية تحديداً، لدفعها إلى تسهيل الإنتخابات الرئاسية في أقرب ما يمكن.

ونظراً إلى مخاطر الفراغ على الدور المسيحي في لبنان، وتالياً في الشرق الأوسط، يستعدّ الفاتيكان لممارسة ضغوط مباشرة وقوية على القوى المسيحية، من خلال موفدين ووسطاء، لدفعها إلى إنهاء المراوحة في هذا الملف. وقد يتمّ استدعاء قياديين موارنة إلى الفاتيكان لوضعهم في أجواء الإستياء البابوي من إستمرار العرقلة الرئاسية والفراغ.

وفي المعلومات أنّ الكرسي الرسولي في صدد إبلاغ المعنيين عن العرقلة، من قوى مسيحية، أنهم مسؤولون عما وصل إليه المسيحيون في لبنان من ضعف وتراجع في الدور.

وسيتمّ نقل هذه الرسالة إليهم بلجهة حازمة وتعبِّر عن الإستياء. وتقول مصادر سياسية متابعة إنّ الكرسي الرسولي يعتبر هذه الخطوة بمثابة إنذار أخير للجميع، وللقادة المسيحيين أولاً، من مغبة إستمرار الإستخفاف بالإنتخابات الرئاسية، لأنّ فشل الخطوة الفاتيكانية سيعني بديلاً وحيداً وهو دخول لبنان في مسار إهترائي لا يستطيع أحد التكهن بما سيقود إليه من تداعيات.

وفي تقدير المصادر أنّ عدم وجود رئيس للجمهورية في لبنان سيبقيه فاقداً الرأس الشرعي، أيْ الغطاء الموحّد للسلطة المركزية اللبنانية. ومن شأن هذا الأمر أن يُضعف هذه المركزية ويفتح الباب للمغامرات، وتحديداً لترجمة الطرح الذي جرى التلويح به مراراً، أيْ المؤتمر التأسيسي.

فعندما يتكرَّس غياب رئيس الجمهورية، ويزداد الإهتراء والشلل في المؤسسات الأخرى، ولا سيما رئاستي الحكومة والمجلس النيابي، يصبح منطقياً التنادي إلى طاولة تناقش الوضع اللبناني برمته. وعندئذٍ سيكون سهلاً تغيير النظام اللبناني الذي أثبت فشله. وعلى الأرجح، ستأتي نتائج المؤتمر مراعية لموازين القوى في الصراع الشرق أوسطي.

ومن المؤكد أنّ المسيحيين، وفي ظلّ التراجع المتزايد في النظام المركزي، سيطرحون في المؤتمر التأسيسي إقرار نظام جديد ينطلق من إقرار إتفاق الطائف باللامركزية الموسّعة.

وتساهم الأجواء التي تنحو إليها المنطقة في تدعيم الإتجاه اللامركزي، بعد سقوط الدول المركزية الكبرى ودخول الشرق الأوسط في مغامرات صراعية لا أفق لها. ولكن، أيّ نوع من اللامركزية سيتم التفاهم حوله؟ وهل سيحفظ المؤتمر التأسيسي دور المسيحيين أم لا؟

وينظر الفاتيكان إلى لبنان بإعتباره الحصن الأخير للمسيحية المشرقية، بعد الإنهيارات التي تعرّض لها المسيحيون في دول المشرق الأخرى، ولا سيما العراق وسوريا. ومن هنا أهمية الضغوط التي يمارسها على القادة المسيحيين في لبنان، لدفعهم إلى الحفاظ على مقوّمات الحضور المسيحي المتفاعل.

فهل ستنجح المحاولات الفاتيكانية في إقناع القوى المسيحية بتحمّل مسؤولياتها وتسهيل إنتخاب رئيس للجمهورية، أم يدخل لبنان مراحل الإهتراء الأخيرة؟