لم تصل بعد حالة الاحتقان الماروني الرئاسي الى الخط الأحمر. وفق المنظار البطريركي، ما زالت الأمور تحتمل بعض الأخذ والرد بين ابني «الحلف الواحد»، أي العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية. لكن الفرصة ليست مفتوحة على مواعيد أبدية، فشغور ما يقارب السنتين كاف ويزيد في تهشيم الموقع المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط والذي ينظر اليه الفاتيكان بعين رعائية خاصة.
أكثر من شخصية مطلعة على كواليس الدوائر الفاتيكانية، تتلاقى حول فكرة أن «من غير الوارد ان يزكي الفاتيكان ترشيح عون ضد فرنجية أو العكس. فما يهم الكرسي الرسولي، هو ملء الشغور الرئاسي وإعادة الحياة الى المؤسسات الدستورية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية». يتلاقى هؤلاء أيضا عند فكرة أن «الدوائر الفاتيكانية قامت بما عليها القيام به من دفع ديبلوماسي لتعزيز الاهتمام الدولي برئاسة لبنان نحو الحل المنشود، وخصوصا خلال لقاءات البابا فرنسيس مع قادة الدول وآخرها لقاؤه مع الرئيس الايراني حسن روحاني».
في هذا التفصيل تحديدا، تستبعد شخصية مسيحية مطلعة «أن يكون البابا قد طلب من الرئيس الايراني أي طلب، من نوع الضغط على حزب الله أو ما شابه، لحلحلة عقدة الرئاسة في لبنان. فالخطوط بين الكنيسة المارونية وحزب الله مفتوحة والتواصل دائم، وأي شيء تريد الكنيسة ان تطلبه منه انما تفعل ذلك مباشرة ومن دون وسطاء».
ثمة تأكيد أن الكنيسة ضد سياسة الاستقواء بـ «الغريب» لما لذلك من تأثير سلبي على العلاقة بين المكونات السياسية في لبنان الى أي طرف انتمت. وماذا عن الموفدين الذين أرسلهم الوزير فرنجية للقاء الكاردينال ليوناردو ساندري؟ يجيب هؤلاء: «سواء صح هذا الموضوع أم لا، فالسياسة الفاتيكانية نفسها حيال كل المرشحين الموارنة. هذا من دون إغفال أن الكاردينال المذكور يوشك على التقاعد وان الدوائر الفاتيكانية لديها ملف خاص ومفصل عن الكل في لبنان وهي مطلعة على القاصي والداني في هذا الموضوع».
لن تكون هناك أي زيارة قريبة لموفد بابوي أو مبعوث رسولي خاص لتحريك عجلات الملف الرئاسي. «فالفاتيكان مستعد لدعم التوافق المسيحي والوطني في لبنان، ويقوم بما يراه مناسبا على ساحات المجتمع الدولي وما يصب في هدفه هذا. يتلقف ايجابا الجو التقاربي المسيحي واللبناني ككل، مع حرصه على أن يكون هذا التقارب شاملا، أي أن يشمل بطبيعة الحال الفريق السني».
بهذا الجو الفاتيكاني تسلح البطريرك بشارة الراعي عائدا من روما بجرعة دعم قوية تقضي «ببذل كل الجهود لانتخاب رئيس، لأن الشغور لا ينعكس على اللبنانيين فحسب وانما على وضع المسيحيين في كل المنطقة». عنق الزجاجة، حيث يتزاحم ترشيحا القطبان المارونيان، أدى في الواقع الى تعطيل الواحد للآخر.
ينقل أحد زوار البطريرك عنه ان «أحب عليه أن يكون الرئيس من بين الأقطاب الأربعة، ولكنه كان يؤمن منذ البداية أن المسألة ستصل الى حيث وصلت اليوم، أي أن الأربعة سيعطلون بعضهم البعض لأن أيا منهم لا يريد للآخر أن يكون الرئيس، والدليل في الحماسة الزائدة التي نراها اليوم لدى فرنجية والتي يعتقد البعض أنها ستزول». ربما هذه الفرضية تقود، اذا ما استمر الكباش، الكنيسة المارونية الى الدعوة للبحث عن الرئيس الموعود من خارج نادي الأقطاب. وثمة من يقول في السياق نفسه، ولكن من منظار آخر، ان المشهد لا يحتمل الكثير من السيناريوهات: إما انتخاب العماد عون بأسرع وقت، وإما يتفق الجنرال مع «حزب الله» على شخص آخر في ظل إصرار الرئيس سعد الحريري على ترشيح فرنجية ليسترجع بذلك رئاسة الحكومة ويحجز مكاناً له في المشاريع التي تنتظر سوريا في ورشة إعادة إعمارها.