IMLebanon

الفاتيكان: «الطائف» خطّ أحمر

يبدو أنّ الستاتيكو المسيطر على الساحة اللبنانيّة مستمرّ على هذا الشكل مع عدم رغبة الأطراف الداخلية في تحريك الوضع أو الدخول في أيّ مغامرة لا تلقى ترحيباً إقليمياً، خصوصاً أنّ الأزمات الكبرى تطغى على التفاصيل اللبنانية.

في غمرة تزايد الكلام عن مؤتمر تأسيسي نتيجة تبدّل موازين القوى السياسيّة والديموغرافية والعسكريّة، يبرز أكثر من موقف داخلي وإقليمي ودولي يتحدّث عن ضمان الإستقرار في لبنان وعدم الدخول في مغامرات تأخذ البلاد نحو المجهول.

وفي خضمّ كلّ المواجهات الإقليميّة والدوليّة المشتعلة، ينقل زوّار الفاتيكان عن المسؤولين هناك دعوة اللبنانيّين عموماً والمسيحيين خصوصاً الى التمسّك باتفاق «الطائف» اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، لأنّ أحداً لا يعرف كيف تتغيّر موازين القوى الإقليميّة ولمصلحة أيّ قوّة. وفي حين تدعم إيران الشيعة في لبنان، والسعوديّة السنّة، يفتقد المسيحيون الى راعٍ إقليمي ودولي.

ويأتي تمسّك الفاتيكان بـ«الطائف» أيضاً من زاوية أنّ هذا الإتفاق يضمن حقوق مختلف المكوّنات اللبنانية، لكنّ المشكلة أنّه طبّق بطريقة خاطئة وهناك بنود وإصلاحات أساسيّة لم تسلك طريق التنفيذ، لعلّ أبرزها قانون الإنتخاب، فدستور «الطائف» كنصّ وأفكار ومبادئ يصلح أن يُعمَّم على كلّ الدول التي تنشب فيها نزاعات عسكريّة وسياسيّة وإثنية.

ويكرّر الكرسي الرسولي تشديده على ضرورة الحفاظ على الصيغة اللبنانيّة الفريدة التي يتعايش فيها المسلم مع المسيحي، في حين أنّ بلداناً عدّة شبيهة بتركيبة لبنان تطغى فيها الأقلية الكبيرة على بقيّة الأقليات.

ومن هذا المنطلق، لا ينكر المسؤولون الفاتيكانيون وجود خلل في تركيبة السلطة نتيجة إستبعاد المسيحيين من الحكم لفترة طويلة، والإضطهاد الذي عانوه طوال فترة الوصاية السوريّة، لكنّ هذا الخلل قابلٌ للمعالجة في أيّ وقت، ومفتاحه الأساس إنتخاب رئيس الجمهوريّة الماروني الوحيد في الشرق.

التوجّه الفاتيكاني العريض الذي وصل الى بكركي ومنها الى الأحزاب المسيحيّة، يحظى بدعم إقليمي خصوصاً من السعوديّة التي كانت عرّابة إتفاق «الطائف».

وداخلياً، كان الشرط الأساس لقبول أيّ مرشّح هو إلتزامه هذا الإتفاق، وقد أتت المصالحة المسيحيّة التاريخيّة بين «القوّات اللبنانيّة» و«التيار الوطني الحرّ» وإعلان الدكتور سمير جعجع تبنّيه ترشيح العماد ميشال عون لتكرّس تمسّك الغالبية المسيحيّة بهذا الإتفاق خصوصاً أنّه بند أساس من البنود العشرة التي تُليت في معراب، فيما يعلن حزب الكتائب اللبنانيّة وتيار «المردة» وبكركي وبقية الشخصيات المارونيّة والمسيحيّة مراراً وتكراراً تمسّكهم بهذا الإتفاق وعدم الرغبة في دخول مغامرة جديدة غير مضمونة النتائج.

وفي السياق، يلاحظ المراقبون التغيّر في خطاب النواب والمسؤولين العونيين من حيث ترداد عبارة تطبيق إتفاق «الطائف»، في حين أنّ نصف المسيحيين كان ضدّه، والنصف الآخر غير راضٍ على تطبيقه. من هنا فإنّ الخطوة التالية لتحسين شروط المشاركة المسيحيّة في الحكم هي المطالبة بتطبيق «الطائف» والإبتعاد من المغامرات التي قد تؤدّي الى المثالثة وهذا أمر لا يرغب به الفاتيكان أبداً.

عام 2005، أصبح «قانون غازي كنعان» واقعاً وسط معارضة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير آنذاك إجراء الإنتخابات النيابيّة على أساسه، كذلك وسط تململ المسيحيين من الإستئثار بنوابهم، خرج صفير أمام الحشود في بكركي ليقول عبارته الشهيرة: «الطائف» أعطانا 64 نائباً، فنُريد الـ64، وقد أُعذر مَن أَنذر».

لذلك، من الضروري قراءة «الطائف» جيداً والعمل على إستحصال الحقوق التي ضمنت تمثيل الجميع، بالإضافة إلى ممارسة رئيس الجمهوريّة لصلاحياته الدستورية وعدم الإكتفاء بلعب دور «شيخ الصلح»، إذ يمكن للرئيس التحكم بتأليف أيّ حكومة لأنه يملك «التوقيع»، والسلطة التنفيذيّة هي مَن تحكم. لكن أين هو هذا الرئيس؟