IMLebanon

سمسرة سياسية في الحاضرة المقدّسة

 

ليس غريباً ان يطلب الرئيس ميشال عون زيارة الفاتيكان، فالكنيسة هي الرئة الطبيعية للبنان، التي تشكل مظلة امان وحماية للنموذج الذي وضعه يوحنا بولس الثاني في مرتبة الرسالة. أن يزور عون الفاتيكان لطلب الدعم للبنان، فهذا يشكل حركة في السياق الطبيعي، لكن ان يحوِّل عون الزيارة الى زيارة سياسية لا تهدف الا لتوظيف منبر الكنيسة المعنوي، في خدمة هدف بخس، فهذا سلوك غير مفاجئ، الا من زاوية الاصرار على انتهاجه، ولو على انقاض آخر حجر متبق من هيكل الجمهورية.

 

يشبه ما فعله رئيس الجمهورية بالشكل والمضمون، السمسرة السياسية الكاملة الاوصاف. السمسرة لا تقتصر فقط على الربح المادي من ترتيب صفقة تجارية، بل تدخل عميقاً في عالم السياسة. ان تذهب لتحقق مكسباً دعائياً لـ»حزب الله»، مقابل نيل عمولة رئاسية لاحد افراد عائلتك، لا يمكن الا أن يسجل كأول استثناء يقدم عليه رئيس للجمهورية منذ الاستقلال والى اليوم، استثناء لم يسبق أن تجرأ رئيس للجمهورية ان قام به، لا بشارة الخوري ولا كميل شمعون، وبالطبع لا فؤاد شهاب ولا شارل حلو ولا اي رئيس تعاقب على بعبدا، حتى العام 1990.

 

من اول تفاصيل الاعداد للزيارة الى ما شهدته من لقاءات وتصاريح ومواقف وبيانات ألبست الفاتيكان مواقف لم تصدر عنه، بدا واضحاً، ان الرئيس عون أراد تحقيق هدف واحد بطرق متعددة. الهدف يتلخص بضخ العلاقة العونية مع «حزب الله» بجرعة على الحساب من دفعات الخدمات التي لا تنتهي، والتي تفترض بـ»الحزب» ان ينظر بعين الرأفة والمصلحة، الى ترئيس جبران باسيل، باعتبار انه الوحيد المؤهل أن يكون خير خلف لخير سلف.

 

تعبيد الطريق لباسيل من الفاتيكان لا يمكن ان يمر الا من خلال ما قاله عون من على منبر الكنيسة، كرئيس ماروني يدافع عن سلاح «الحزب»، ويعطيه المشروعية بتنميقات لغوية تسقط امام الحقائق والوقائع، وأهمها أبسطها تفسيراً ما عبر عنه البطريرك الراعي حين تساءل عما يفعله «حزب الله» في الساحات العربية ما دام يعطي لسلاحه صفة المقاومة.

 

في موازاة الزيارة السياسية الرئاسية للفاتيكان كان البطريرك بشارة الراعي يزور رعيته الفاعلة في مصر منذ القرن السابع عشر، في تقليد كنسي تصادف مع زيارة عون للفاتيكان وفسر من قبل بعض المقربين من بعبدا كتشويش على الزيارة، ولم يكن هذا التفسير صحيحاً، ذلك على الرغم من أن الرئاسة المصرية أضفت على الزيارة الرعوية تكريماً استثنائياً، وقد جاء رد البطريرك الراعي على مواقف الرئيس عون في سياق تأكيد ثوابت بكركي، ثم تكرر الرد في كلمة الكاردينال ساندري التي تفصح اكثر مما تبطن.

 

اذا كان ما قاله الرئيس عون في روما، هو نفسه في المكتب البابوي وفي وسائل الاعلام، فإن ما عبر عنه الكرسي الرسولي تجاه لبنان لم يعد يحتاج إلى تأويل. تستند الكنيسة في مواقفها الى مواقف مرجعية وليس الى تصريحات موسمية، من هذه المواقف ما ورد في وثائق القمم الروحية في ابو ظبي ووثيقة الأزهر، ومقررات السينودس، وهذا كله يؤشر الى أن الزيارة الرئاسية لم تصل بمفرداتها الى إقناع من يملكون تفاصيل الملف اللبناني في الفاتيكان بالحد الادنى من صوابية الانصياع لأجندة «حزب الله»، والى كون هذه العلاقة تحمي المسيحيين. سئل الرئيس عون في المكتب البابوي عن الانتخابات الرئاسية والنيابية من زاوية التشديد على إجرائها، أي بالترجمة العملية لن يكون مقبولاً التمديد للمجلس النيابي الحالي، ولن يكون مقبولاً التلاعب بموعد إجراء الانتخابات الرئاسية، سواء بجعل الفراغ أمراً واقعاً، أو بابتداع خطوات تخالف الدستور كالتمترس في قصر بعد انتهاء الولاية الرئاسية.

 

*********

 

عن ميشال مكتف تجربتي الشخصية في العلاقة مع ميشال الذي ارتحل باكراً، تترك بصمات غيابه وحياته حاضرة مع ابتسامة. ابتسم عندما استحضر حضوره الصامت الصاخب. ذكاؤه اللماح وأصالته الاصلية كلما تعلق الأمر بوطنه لبنان الذي بقي متمسكاً بالعيش فيه والدفاع عنه بعناد وتواضع وبلا تعصب ولا احقاد. وداعاً ميشال.