Site icon IMLebanon

زيارة الفاتيكان ورفع العقوبات

 

لا يتردد الذين تابعوا زيارة الرئيس ميشال عون إلى الفاتيكان في القول بأن لها أكثر من وظيفة داخلية، خصوصاً أنها تتم في خضم بدء الحملات الانتخابية، مقابل الأدبيات التي تخللتها عن الإفادة من دور وعلاقات الكرسي الرسولي ومن اهتمامه بلبنان، من أجل تجاوز أزمته.

 

وبين هؤلاء من خبروا نهج الفاتيكان في التعاطي مع أزمات تمس الوجود المسيحي في أي منطقة في العالم، ولا سيما في الشرق الأوسط وخصوصاً لبنان الذي سبق للبابا فرنسيس أن حذر من زواله، ومن إضعاف دور المسيحيين فيه.

 

سبق لأمين سر العلاقات مع الدول المطران بول ريتشارد غالاغر حين زار بيروت في مطلع الشهر الماضي، أن عبر عما يدور في ذهن الفاتيكان حول لبنان، فأكد أن «قرار نهوض لبنان هو قرار لبناني بحت يجب أن تتضافر الجهود بشأنه»، واعتبر أن «التغيير آت». ومما قاله: «توقفوا عن استخدام لبنان والشرق الأوسط من أجل المصالح الخارجية»…

 

ما الذي ستضيفه زيارة الرئيس عون، قبل سبعة أشهر من انتهاء ولايته، إلى ما سبق أن قيل سواء في روما أو في بيروت من قبل الفاتيكان يكرر إشارته إلى أنه يفترض تمكين اللبنانيين من أن يقرروا لوحدهم مصيرهم من دون تدخل، انطلاقاً من الثابتة التي كرسها البابا يوحنا بولس الثاني عن أن لبنان أكثر من وطن بل هو رسالة؟

 

الكرسي الرسولي قوة معنوية لا وسائل ضغط قصوى لديها، سوى الوسائل الديبلوماسية التي تتحرك قنواتها بفعالية مع فرنسا إيمانويل ماكرون حول لبنان. وهي قنوات قد يستفاد منها عبر صلة عاصمة الكثلكة في العالم مع الرئيس الأميركي الكاثوليكي جو بايدن. وسبق أن جرى تفعيل التواصل مع هاتين المرجعيتين ومع بعض الدول العربية، طلباً لتقديم المساعدات للبنان، لا سيما إثر انفجار مرفأ بيروت.

 

أما العلاقة مع إيران التي يشكل نفوذها واحداً من عوامل الأزمة، فقد سبق للفاتيكان أن تناول معها ضرورة تسهيل معالجة مشاكله وخفض الضغوط على تركيبته الفسيفسائية لاقتناعه بوجوب عدم إقحامه البلد في الصراعات الإقليمية، مدركاً سلفاً أنها موجودة على طاولة مجلس الوزراء وتحت قبة البرلمان عن طريق «حزب الله» الذي تدعوه كما تدعو الآخرين إلى الحوار معه حول الحلول التي يجب أن يقترحها اللبنانيون.

 

حين كان على خبراء الأزمة اللبنانية في دوائر الفاتيكان أن يدلوا بدلوهم حول شعارات «حماية الوجود المسيحي» وحقوق المسيحيين، كانت نصيحة غالاغر خلال زيارته الأخيرة والتي لم يتوقف البطريرك الماروني بشارة الراعي عن تردادها: لا يفكرنّ أحد بتعديل اتفاق الطائف. الواجب تطبيقه.

 

فالفاتيكان يراقب محاولات الفريق الرئاسي تغييره «بالممارسة»، ويخشى من أن يقود جموح البعض في هذا الاتجاه إلى افتعال معارك تزيد من إضعاف المسيحيين بدلاً من حماية حقوقهم، من طريق إقحامهم في تجارب تحالفات الأقليات.

 

تراقب ديبلوماسية الكرسي الرسولي كيف يتم دمج الطموحات الشخصية بحقوق الطائفة، وخلط المصالح في السلطة بالسياسات الكبرى. ومثل غيرها من الدول، فإن دوائر الفاتيكان تلقت من الرئاسة طلب بذل الجهود من أجل رفع العقوبات الأميركية عن الصهر جبران باسيل. وتردد أن ذلك حصل خلال زيارة غالاغر، وليس مستبعداً أن يثار الأمر في روما في سياق البحث في «ما يتعرض له المسيحيون». فالهم الرئاسي بتأمين الاستمرارية في الرئاسة بعد تشرين الأول المقبل، يطغى على كل شيء.

 

وبعض العارفين ببواطن الأمور يكشفون أن عيون الفاتيكان في البلد تتابع عن كثب المعركة التي يخوضها الفريق الرئاسي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تمهيداً لقبعه، وسط التساؤل عما تنفع المعارك حول المواقع، فيما الأولوية للحلول ومعالجة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية؟ فالدوائر الفاتيكانية باتت على علم بملابسات طرح الملفات على القضاء، سواء من الداخل أو من الخارج…

 

إذا كان الشيء بالشيء يذكر لمناسبة الزيارة، فإن استعارة واقعة ذكرها البطريرك الراحل نصر الله صفير في مذكراته عن العام 1989 ربما تفي بالغرض. وهي تقول إن السفير البابوي بابلو بوانتي أبلغ البطريرك صفير، أنه زار العماد عون في قصر بعبدا في حينها، وكان أصدر قراراً بحل المجلس النيابي الذي انتخب الرئيس الراحل رينيه معوض، لإبلاغ الجنرال بأن الفاتيكان ضد حل البرلمان وتقسيم لبنان وأنه مع انتخاب رئيس الجمهورية وحفظ المؤسسات الدستورية، وأن النصيحة هي بالعودة عن قراره، لكن عون لم يأخذ بها.