Site icon IMLebanon

الڤاتيكان عندما ينصحنا  

 

عندما تأتي النصيحة من الڤاتيكان فهي، بالضرورة، في مصلحة لبنان. وهي، بالتأكيد، لا تتوخى أي مصلحة ذاتية، ليس فقط لأنّ الڤاتيكان يترفع عن المصالح الذاتية بل أيضاً لأنّ ما بين هذه الحاضرة العالمية المهمة ولبنان وشائج وروابط معروفة ترقى الى قرون عديدة عرفت كثيراً من الأخذ والرد، ولكنها كانت دائماً تتوخى مصلحة هذا الوطن.

 

صحيح ان ما بين الكرسي الرسولي والمسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً له خاصيّة. ولكن الڤاتيكان يتعامل مع لبنان بطوائفه كافة وينظر اليه كمواطن نموذجي فريد في العالم يحتضن عيشاً مشتركاً حقيقياً.

وعندما تأتي النصيحة من السفير البابوي كاتشيا الذي إنتهت مهمته في وطننا وهو يغادرنا الى مسؤولية ديبلوماسية جديدة في الباكستان، عندما تأتي نصيحته للمسؤولين اللبنانيين بعدم إغراق الباخرة التي تقلهم في بحر المنطقة الهائج، فإنما هي تصدر عن وعي دقيق لحقيقة ما يعانيه لبنان من أزمات كبيرة، وربما فيها عتب (ولوم أيضاً) على أهل السياسة عندنا الذين قد يقودون هذا البلد الى الهاوية!

فالڤاتيكان حريص على هذا »الوطن الرسالة« ربما أكثر من أهله. والعلاقة الوطيدة التي أشرنا اليها آنفاً، على مختلف المستويات، ومع جميع الأطياف اللبنانية تدفع بالكرسي الرسولي لكي لا يكتفي بالتفرّج على ما يجري من مسارات ستكون مضرة بالتأكيد. بل هو ينصح حيناً، ويحذر حيناً آخر، وربما يغضب حيناً ثالثاً، ولقد يصدر عن بعض دوائره »التقرير الأسود« أحياناً، حتى ولو كان ذلك التقرير الشهير صادراً عن غير ذي صفة، وكان ثمة إجماع على أنه كان تقريراً ظالماً.

ومعروف أن السفير البابوي في لبنان هو عميد السلك الديبلوماسي في لبنان، والموفدون البابويون لم ينقطعوا عن الزيارات الى لبنان التي تتجاوز الإثنتين وربما الثلاث سنوياً. ولا تقتصر لقاءات الزوار على المرجعيات الكنسية، ولا الرسمية، بل كثيراً ما تتعداها الى لقاءات شعبية – إنسانية (كمثل تفقد بعض المناطق الخ…).

ويجدر التنويه بأن العلاقة بين الڤاتيكان ولبنان بلغت ذروتها مع البابا الراحل القديس يوحنا بولس الثاني الذي أطلق على لبنان تسمية »الوطن – الرسالة« والذي رعاه رعاية استثنائية فائقة الإهتمام، وحمل مشاكله وقضاياه في قلبه الكبير، وشكّلت زيارته التاريخية الى لبنان بارقة أمل ليس للمسيحيين وحدهم بل للبنانيين جميعاً، خصوصاً أنه خصّ هذا الوطن بمجمع »السينودس من أجل لبنان« الذي رمى الى تعميق الأخوة بين المسيحيين والمسلمين اللبنانيين والى تجذير المسيحيين في محيطهم  العربي – الاسلامي الأوسع، والى تحرير لبنان من الإحتلال الإسرائيلي، والى خروج القوات غير اللبنانية من هذا البلد.

ولقد يكون الڤاتيكان أكثر من يدرك ارتباط مشاكل لبنان بأزمة الشرق الأوسط (القضية الفلسطينية) وبالأزمات الأخرى المتعاقبة. ولأنّ هذه الأزمات ليست الى نهايات عادلة منظورة، من هنا كانت النصيحة الأخيرة للسفير كاتشيا، والنصيحة كانت – قديماً – بجمل.