الى المحطة ما قبل الاخيرة، وصل قطار مشروع موازنة العام 2022، مشروع وصول لبنان الى المحطة الاخيرة في سبحة ازماته ومعاناة شعبه، المأمول ان تكلل بنهاية سعيدة، ما زال بعيدا على الارجح، رغم وعد أمين سر الكرسي الرسولي للعلاقات بين الدول في الفاتيكان المونسنيور ريتشارد بول غالاغير ان «التغيير آت حيث نصلّي لكي يكون لخير هذا الوطن».
اكيد ان الموفد الفاتيكاني لم يضيّع بوصلته، ولم «يزحط» كما يحلو للبعض ان يُقنع نفسه، عندما كشف مستور كلام الغرف المغلقة، ولقاءات المجالس التي نقل اليها رسائل الفاتيكان وما هو ابعد من الكرسي الرسولي، من منطلق الامانة للشعب اللبناني ، حيث اصرت الدوائر التي اعدت الزيارة بمختلف محطاتها ان تكون بعيدة عن «البروتوكوليات»، مفضلة ان يكون كلامها «عالمشبرح» وبالعلن، بعدما يئس الكرسي الرسولي كما دول العالم المختلفة من «حفظ ماء وجه «الطبقة الحاكمة و»مسايرتها»، في ظل امعان المسؤولين في السير في طريقهم، اذ يكفي معرفة ان معدل الفساد في لبنان ارتفع ما بين عامي 2020 و2021 ، في بلد لم يعد فيه من شيء ليسرق، بحسب اوساط واكبت الزيارة.
فقول امين سر الفاتيكان للعلاقات بين الدول ، من بعبدا تحديدا ، ضرورة ان «يتخذ من هم في السلطة القرار الحاسم بالعمل من اجل السلام وليس من اجل مصالحهم الخاصة، ولتكن هذه الفرصة بمثابة نهاية للذين يستفيدون من معاناة الجميع»، واضح المعنى والمغزى، بعدما بات الوجود المسيحي كله على المحك ، بعيدا عن شعارات المشرقية التي تبقى حبرا على ورق، اذ ترى الاوساط ان كلامه موجّه الى القيادات المسيحية التي لم تتعظ من التجارب السابقة، التي ادت الى وصول الامور الى ما هي عليه اليوم، وبدل تغيير سياساتها، لا زالت مصرة على «الحروب فيما بينها» لينتهي الامر الى فقدان ما كان تبقى من جولتها الاولى، ليكون الاحباط مصير هذا المجتمع من جديد،اذ يكفي التلطي خلف الحجج الواهية لضرب الوظيفة الاساسية لهذا البلد والتي حددها الارشاد الرسولي ووصفها «بالرسالة».
بكلام موزون على مقياس ميزان الجوهرجي، استخدم الموفد الرسولي تعابيره، التي لم يألفها اللبنانيون من قبل والتي لفتت الكثيرين، فالوجود المسيحي هو حضور مع كل ما للكلمة من معنى، والابرز والاهم حديثه من بكركي تحديدا عن «تغيير « النظام السياسي، حمل الكثير من المؤشرات، وذهب ابعد من طرح الصرح البطريركي، وقد يكون تماهى مع موقف بعبدا في مكان ما، التي طرحت اللامركزية الادارية والمالية الموسعة كحل وسط بين المثالثة والطائف.
وبحسب المتوافر من معلومات، فإن دولة الفاتيكان، على تواصل مباشر مع الإدارة الديموقراطية حول الملفات الإقليمية والدولية، ومن بينها الملف اللبناني، حيث تكشف مصادر واسعة الإطلاع، أن طرح عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة من أجل لبنان، هو فكرة أميركية في الأساس، جرت مناقشتها مطوّلاً مع الفاتيكان الذي تبنّاها كحل للملف اللبناني، وآلية وحيدة لتحييده عن صراعات المنطقة.
وتتابع المصادر، أن المشاورات والنقاشات بدأت ما قبل وصول بايدن إلى البيت الأبيض، حيث لعب اللوبي الكاثوليكي في الولايات المتحدة دوراً أساسياً في تحديد ساكن البيت الأبيض، وفي تحديد غالبية الكونغرس ومجلس الشيوخ في الانتخابات النصفية، وعليه، تمّ التواصل مع البطريركية المارونية، التي رحّبت في حال توافر دعم دولي أميركي – غربي وموافقة الأمم المتحدة، وهو ما نجح الفاتيكان في إنجازه، فيما تُرك الجانب اللبناني من المبادرة على همّة البطريرك الراعي، خلافاً لكل التشويش الجاري في بيروت، ومحاولات تظهير وجود خلاف بين بكركي وروما، وقد تعزّز هذا الجو بعد المواقف التي أدلى بها سابقا السفير البابوي في جلساته مع بعض القيادات اللبنانية، ما دفع بالمعنيين في الحاضرة البابوية إلى توجيه «لفت نظر إليه».
واشارت المصادر الى أن بابا الفاتيكان يضع الملف اللبناني في أولويات أجندة السياسة الخارجية للفاتيكان، مشيرة إلى أنه ينتظر توافر أجواء معيّنة لزيارة لبنان، إذ أنه ليس بوارد أن يمنح «شرعيته» للسلطة القائمة حالياً في لبنان، لأن مواقفه ستكون عالية السقف، ولن تصبّ في مصلحة الطبقة الحاكمة حالياً.
وعزت المصادر تلك العلاقة الجيدة بين واشنطن وروما، إلى الهوية الكاثوليكية للرئيس بايدن، الذي يتحدث دائماً عن أن والديه قد «غرسا فيه القِيَم الكاثوليكية»، وأنه تلقى تعليماً كاثوليكياً في بنسلفانيا وديلاوير، مشيراً إلى أن إيمانه الكاثوليكي ساعده على التعامل مع مآسيه الشخصية، ولذلك، هناك تقارب أقوى اليوم مما كان عليه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. وللدلالة على عمق هذه العلاقة، يحتفظ بايدن، وهو ثاني رئيس كاثوليكي يصل إلى البيت الأبيض، بصورة له في المكتب البيضاوي مع البابا فرنسيس، كما أنه خلال الحملة الإنتخابية الرئاسية، ظهرت إعلانات تلفزيونية تشمل صوراً من اجتماعَين للرئيس بايدن مع البابا، ويوم التصويت في الإنتخابات الرئاسية، صلّى في أبرشية كاثوليكية بالقرب من منزله في ولاية ديلاوير. وختمت المصادر، بأن اللوبي الكاثوليكي في الولايات المتحدة الأميركية، لعب دوراً أساسياً في فوز الديموقراطيين.
في إعادة لعقارب الساعة إلى الوراء زمن القائل «عندي بارودة زنبرك لما بزيح، بتخشّ على بكركي وعا ألفين زيح….بتخشّ بروما وبالفاتيكان، وما بتهدا إلا بصدر المسيح»…. فهل من يفهم ويتّعظ ……