لم أتبيّن للوهلة الأولى وجود وزيرين في الصورة التي التقطها الزميل نبيل اسماعيل في سوق الخضار. اعتقدت انها صورة عادية لمسلحين يظهرون يومياً في مناطق الخروج على القانون، فيشتبكون ويروّعون السكان والمارة، أو لمجموعات محميّة عاملة في التهريب، أو عناصر حماية لزعيم مافيوي يخشى الظهور أمام الناس…
ثم تبادر الى ذهني أنها صورة لمشهد من مسلسل «الهيبة» أو نظيره الآخر الذي يتم عرضه على الشاشات، غير أن قراءتي للكلام المهذب المرافق للصورة جعلني اندهش مصدوماً: وزيرا الاقتصاد والزراعة يتفقدان سوق الخضار للتدقيق في الأسعار! ولكن من هم حملة السلاح الضخام من ذوي اللحى الذين يتقدمون مسيرة القائدين الغذائيين؟ بثيابهم المدنية وقمصانهم وعضلاتهم وعبوسهم ونظراتهم التهديدية بدوا وكأنهم عناصر ميليشيا من مجموعات يعرفها اللبنانيون والمقيمون، فهم ليسوا بالتأكيد من مسلحي «ڤاغنر» ولا من جماعة «بلاك ووتر» السيئتي الصيت. وقد إقتضى الأمر بعض التدقيق عبر تكبير الكتابات على قمصان الأشاوس، ثم عبر التدقيق في خبر الوكالة الوطنية لاكتشاف أن الفوج المدجج ليس أفراده إلّا عناصر في جهاز أمن رسمي، مثله مثل بقية الأجهزة والمؤسسات الأمنية الشرعية!
حوّلت الصورة زيارة الوزيرين من تفقدية غذائية الى عراضة ميليشيوية بسبب غياب اللباس الرسمي لمرافقي الحماية واستعراضهم الحربجي، ولا شك أن مخازن البندورة والخيار وشتى أنواع الخضار ماتت رُعباً قبل سؤالها عن حال السوق والأسعار، أما التجار ومنهم من هو أقوى من الوزير، فقد فكروا بمحاسن إرفاق شحناتهم بمدججين مماثلين، فهم أيضاً معنيون بالسلطة ومظاهرها.
لم تنخفض كلفة جاط الفتوش بعد المداهمة المسلحة ولن تنخفض، فالمشكلة ليست فقط في مكان الإنزال الوزاري، انها تبدأ من حيث يتم الانتاج والاستيراد، وكيف تواكب الحكومة بوزيريها المقدامين عملية دعم وتنشيط الزراعة وتنظيم عمليات الاستيراد بحيث لا تُضرّ بالانتاج المحلي.
وعلى سيرة الاستيراد يخطر في البال سؤالٌ لئيم: هل كانت الجولة المسلحة بين الخُضار تغطيةً لما يثار عن محاولة إدخال شحنة من أطنان القمح غير المطابق للمواصفات؟؟