IMLebanon

الخَضار على الأرض والجفاف في مجلس النواب

وراء منزلنا فيلا صغيرة ذات حديقة واسعة تزخر بالاشجار التي ازدهت اوراقها بالخضار لان عروقها تغذت بوفرة الامطار.

والجزر الممتدة على كورنيش المنارة تزهو بالخضار وكذلك الجزر على كورنيش النهر، والسبب ان الامطار تساقطت بمعدلات مرتفعة هذه السنة ولا تزال الغيوم توفر لنا الوعد بالمزيد.

هذا على صعيد الطبيعة والامطار الهاطلة من السماء، فهل هنالك أي مشروع أو مسعى لحفظ كميات من المياه تحول دون تسوق أهل بيروت للمياه في أيام الحر المقبلة علينا؟

الصورة التي تواجهنا قاتمة، فالقروض المتوافرة لإنجاز أعمال سد بسري لتأمين المياه للعاصمة حبيسة قرار مجلس النواب بالموافقة على الاموال المتوافرة لإنجاز العمل من البنك الدولي ومسؤولو البنك يشكون من تلكؤ الادارة اللبنانية.

واقتراحات الحكومة لتمويل سد جنة، الذي ثمة نزاع على صلاحية موقعه، مأخوذة (200 مليون دولار) من مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان، وهي تالياً مأخوذة من عائدات اشتراكات أهل بيروت الذين لا يحوزون الكميات التي يدفعون عنها الاشتراكات. فيلجأون الى مياه الآبار وشراء نقلات مياه بواسطة الصهاريج التي توافرت منذ الصيف المنصرم وشح المياه خلاله.

لعل القارئ يتعجب من هذه الأمور التي لا تبدو منطقية، وأصلاً مياه بيروت التي تتوافر من محطة ضبية تهدر منها نسبة 40 في المئة لأن الاقنية مهترئة ومجلس ادارة المصلحة غائب عن تخصيص أموال لاصلاحها، وحينما كانت ثمة حاجة الى تركيب مضخة تطلب الامر سنتين. وخلال السنتين عقد مجلس الادارة 24 جلسة على غذاء دسم، فهذه منهجية مجلس الادارة الذي يستحق الاحالة على التقاعد.

كل هذا دون الواقعة التالية. عام 1978 طلب مجلس الانماء والاعمار من شركة Levalen الكندية التي انجزت سدوداً في كندا تغذي الولايات المتحدة بحاجتها من الكهرباء في أكثر من ولاية متاخمة للحدود الكندية، ان تدرس امكان اقامة سدود في لبنان. وخبراء الشركة الكندية وفدوا الى لبنان ودرسوا الحاجات المستقبلية من المياه للبنانيين الذين كانت اعدادهم تتزايد بنسبة 2,5 في المئة في حينه، وبعد انقضاء فترة الدراسة تقدموا باقتراحات لإنجاز خمسة سدود على انبساط الاراضي اللبنانية، وحددوا مواقع السدود كما الكميات التي يفترض تأمينها.

دراسة الكنديين تناولت الحاجات – في حينه عام 1978 – حتى 2040 وقد اكدوا ان انجاز السدود يؤدي الى كفاية الحاجات على 60 سنة.

في الاجتماع مع خبراء مجلس الانماء والاعمار – والكلام للعضو الذي كان مكلفاً دراسة اوضاع المياه – حضر عدد من موظفي الوزارات والهيئات المعنية، وأبدى هؤلاء ملاحظاتهم الشفهية على الدراسة، وتوقف البحث عندما طرح أحد كبار الموظفين – ولا حاجة الى ذكر اسمه – السؤال من سينجز العقود، والأمر الذي لم يسأله كان بالطبع، أي شخص أو أي فريق سيحوز الأجر غير المعلن، أو لنقل من سيحصل على الرشوة المرجوة من الموظفين.

توقف البحث عند هذا السؤال وانفض الاجتماع وتوجه عضو مجلس الانماء والاعمار الى الرئيس سركيس طالباً اجتماعاً معجلاً.

عندما أوضح عضو مجلس الانماء والاعمار مجرى المحادثات والنقطة التي توقف عندها، وطلب من الرئيس سركيس اقالة الموظف الكبير المهتم بمن سيوقع العقود، قال الأخير بحسرة: لا يمكن تسريح هذا الموظف للاعتبارات التي تعرفها.

كان الزمن، زمن الهيمنة السورية على قرارات التلزيم والتعاقد، فطوي الأمر، ووضع تقرير الكنديين على الرف وبالتأكيد إذا حاول أحد المقتدرين البحث عنه سوف يجده، واذا كانت الادارة اللبنانية منزهة عن الغرض يمكن الاستفادة من هذا التقرير الجدي الذي انجزته أكبر شركة في العالم لإدارة السدود، من أجل كفاية حاجات اللبنانيين مستقبلاً وبعد انقضاء 37 سنة على انجاز التقرير، وبالتأكيد لو قصدنا الكنديين للبحث في قضايا السدود، لن يستجيبوا لأي طلبات من لبنان.

على الناخبين اللبنانيين ان يستفيقوا الى طريقة معالجة المشرعين وكبار الموظفين شؤونهم الحياتية. فالاهتمام الاول والاساسي لهؤلاء هو مصالحهم الشخصية والفئوية، وعلى المصلحة العامة السلام.

اللبنانيون اليوم يحتاجون الى المياه التي تتسرب تحت اقدامهم الى باطن الارض، ولا يشهدون تنفيذ مشروع مهم لمستقبلهم ومستقبل أولادهم على رغم انقضاء 37 سنة على توافر الدراسة، فهل نعجب من انحسار الاستثمار عن لبنان ومن توسع التذمر المعيشي لدى اللبنانيين؟

من عاداتنا السيئة اننا نتناسى الاهمال الفاضح في زاوية حياتية رئيسية بالإشارة الى الاهمال المتجلي في مجالات أخرى، مثل تعثر التغذية الكهربائية على رغم ان لبنان حصل منذ عام 2005 على عرض من قطر لتأمين الغاز المسيل لمحطات الكهرباء التي يمكنها استعماله في مقابل سعر محدد لفترة 25 سنة على مستوى 2 دولارين لكل الف قدم مكعب، أي ما يوازي 12 دولاراً لبرميل النفط الخام. ولن نحتسب الوفر الذي كان تحقق لو انجزنا ذلك الاتفاق، فقد كان الوفر المتحقق يختصر ارقام الدين العام الى نسبة 25 في المئة مما هي اليوم. والوفر كان تحقق منذ عام 2007 أي بعد انجاز مرافق استقبال الغاز السائل.

نسق الحكم في لبنان تكيف مع الهدر والابتعاد عن تنفيذ المشاريع الحيوية، وربما كان هذا الامر مفهوماً خلال سني الحرب، وخلال الفترة التي انقضت منذ اتفاق الطائف، ومن بعد علينا ان نسأل من المسؤول عن هدر فرصة استيراد الغاز المسيل بالكلفة المتدنية، وهل كان بالفعل من المستحيل، لظروف سياسية عام 2005، توقيع الاتفاق مع قطر التي كانت قد بدأت تصدر كميات ملحوظة من الغاز السائل وتبحث عن أسواق؟

لقد وجدت قطر أسواقاً للغاز المسيل في أوروبا، والولايات المتحدة، واليابان، وكوريا، وتايوان والهند، والصين، لكنها لم تجد السوق اللبنانية مرحبة بتوجهاتها المفيدة لبنان.

الطاقم السياسي لدينا همه اضاعة الفرص والابتعاد عن الانجاز. فعلى ما يبدو يعتقد السياسيون ان افقار لبنان واطفاء الامل في النفوس، يساهمان في تكريسهم حراساً لهيكل يتهدم سنة بعد سنة.