هل تلحق الخضار بركب الدجاج واللحوم وتصبح من الكماليات التي يتخلى عنها الناس بفعل الأزمة التي نعيش، وإرتفاع الأسعار الذي لحق جنونه العديد من الأصناف وبات شراؤها لإعداد وجبة يومية على مائدة الطعام يشكّلُ عبئاً يحسب له ألف حساب؟
لم تبقَ سلعة يعتمد عليها المواطن في تأمين قوت يومه تناسب ما يتقاضاه من راتب وتتماشى مع قدرته الشرائية المعدومة وقد أصبحت لا تساوي كرتونتي بطاطا وبيض، إلاّ وأصبحت بعيدة المنال ويُعدُّ لها ميزانية خاصة. ومع الإرتفاع المفرط للأسعار، كرّت سبحة استغناء اللبنانيين عن الأصناف بالتدرّج من اللحوم إلى الدجاج وصولاً الى الخضار التي ارتفعت أسعارها خلال الأيام الماضية بشكلٍ لاحظه كثيرون خلال تجوالهم على المحال في بعلبك الهرمل. بعضهم أفرغ الأكياس التي كان قد ملأها ووضعها على الميزان بعد سماعه الأسعار، والبعض الآخر خفّف من الكميات التي يشتريها عادةً، وصولاً إلى وقوفهم عاجزين عن تأمين وجبة بسيطة تحتاج للبطاطا التي كانت دائماً ملجأ الفقير أيام الشح والبندورة وغيرها من الأصناف.
ولأن المصائب والأزمات لا تأتي فرادى، وصل الغلاء إلى أصناف كثيرة من الخضار تجاوز فيها سعر كيلو البطاطا ثمانية آلاف ليرة، والبندورة إثنا عشر ألف ليرة والموز عشرة آلاف إضافةً إلى الخيار والكوسا التي تعد ّأصنافاً أساسية في تحضير الطعام اليومي، ليبدأ معها الحديث عن أزمة جزر وندرته في السوق.
وعزا ماهر ن. صاحب محل لبيع الخضار في دورس لـ”نداء الوطن” أسباب ارتفاع الأسعار على هذا النحو “إلى هبوط درجات الحرارة ليلاً في هذه الأوقات، ما يؤثر على نمو وانتاج الخضار وبالتالي يتراجع مردودها، فالمواسم أصبحت على آخرها ومن الطبيعي أن ترتفع الأسعار وفق مبدأ الكمية المطلوبة والمتاحة وندرة البضائع، اضافةً الى التكلفة المرتفعة كالمازوت للرّي ومواد الرش والأسمدة، ناهيك عن أجرة النقل التي ارتفعت أضعافاً مضاعفة بسبب ارتفاع سعر المازوت وشرائه من السوق السوداء، حيث وصلت أجرة البيك آب لنقل الخضار من أسواق الجملة في الفرزل وقب الياس الى مليون و200 الف ليرة بعدما كان 250 الف ليرة”، مضيفاً بـ”أن اقبال المواطنين على الشراء أقل من الوسط وباتوا يخففون من الكميات، وبعدما كان الشراء لا يقل عن خمسة كيلوات من الصنف الواحد أصبح اليوم بنصف الكيلو على مدار الأسبوع”.
على خط المواطنين لم يعد ضرب الأخماس بالأسداس يكفي للتعبير عن السخط الذي يشعرون به والمعاناة التي يعيشونها، فالطبقة السياسة تأكل الحصرم وهم يضرسون، لا يعرفون كيف يتدبّرون أمورهم. على أكثر من “بسطة” تجول الخمسينية أم علي لتشتري عدداً من الأصناف لتحضير وجبة طعام لأولادها الأربعة الذين بدأوا عامهم الدراسي، لا تعرف ماذا تفعل، تقول لـ”نداء الوطن” إن “الأيام التي نعيشها من أصعب ما مرّ علينا، لا نكاد ننتهي من اعداد طعام اليوم حتى نفكر بالغد وكيف سنتدبر أمورنا، معاش زوجي الذي لا يتجاوز المليون ومئتي ألف ليرة لبنانية بحسبة بسيطة يكفي لشراء الخبز على مدار الشهر وكرتونتي بيض وبطاطا وبعض أنواع الخضار المحددة، لم يدخل الدجاج منزلي منذ شهرين، أولادي يشتهون الموز وأنا أعجز عن شرائه فهناك أصناف أكثر اولوية، واذا ظلّ الحال كما هو عليه فإن الكثير من العائلات في البقاع قد تتعرض للنكسات بفعل الجوع والبرد”.
أما حال موظفي القطاع العام فليس بأفضل، لا يكاد الراتب الشهري يكفي لخمسة أيام، يعانون كسائر الناس من دون أدنى اهتمام او مسؤولية من السلطة والحكومة، ويشير الموظف محمد ج. الى “أن اعادة النظر في الحد الأدنى للأجور وزيادة الرواتب باتت أمراً ملحاً، واعادة النظر في التقديمات الاجتماعية التي تستفيد منها فئات معينة ويحرم منها الموظف على اعتبار أن حاله افضل، وهذا غير صحيح، أوضاعنا في الحضيض وما من أحد يشعر بنا”.