هي أو «شاربة حليب سباع» أو «فاقدة عقلها»، وإلى حين ظهور نتائج التشخيص، أصبح من المؤكّد أنّ أماني جحا قرّرت في برنامجها الجديد «على ما يبدو» (OTV الجمعة 21:45) أن تدخل معركة تقديم برنامج مختلف على الساحة الإعلامية اللبنانية، وهي تعلم أنّ معايير الوسط المقدّسة لا تنطبق عليها، أقلّه في الشكل… أمّا في المضمون، فهي تستر ثقافة ومتابعة وتحضير خلف ابتسامة محبّبة وعينين مشرقطتين.
إبن الجرد يخجل بلهجته على مفارق المدينة، وإبن الفقير يحاول إخفاء شعوره بالدونية في ملاهي الأغنياء، وكل مختلف يعاني إمّا في طمر اختلافه أو المجاهرة به… لكن المقدّمة الشابّة أماني جحا لم تتردّد في أن تكون علامة فارقة على التلفزيونات اللبنانية، وهي تغامر منذ انطلاقة برنامجها في موسمه الاول وبعد بضع حلقات فقط، بإعطاء الأولويات للشكل الجميل على حساب الإغراء، والمضمون الرصين على حساب التلطيشات الجنسية أو ابتذال صورة المرأة لإيصال التعبير.
تستطيع المرأة الوصول، لكنّ مغامرتها في الحقل الإعلامي هي بالتأكيد أصعب بكثير من مشوار الرجل، خصوصاً أنها تخضع لفحوصات دورية من مجتمع بطريركي يتحكّم رجاله بالريموت كونترول.
والمرأة في العادة لا تنجح في الكوميديا والسخرية، لأنها بطبيعة مجتمعات العالم المريضة هي الضحية الدسمة لحَشو النكات وتحمير الخبريات… لكن تحاول أماني جحا في برنامجها الساخر السير بين خطيّن إنتحاريين، فتعتمد سخرية تصيب ولا تجرح، وقول نكتة تُضحِك المشاهد ولا تخجّله.
على ما يبدو أنّ «على ما يبدو» هو برنامج تلفزيوني ساخر، يحاول انتقاد المواضيع السياسية والاجتماعية والفنيّة من باب التصويب على هفواتها، والترفيه عن المشاهد ببعض التقارير الخفيفة التي تعالج هموم الناس اليومية… وكل هذا يحتلّ حيّزاً ضيقاً من مساحة البرنامج، لأنّ الحصّة الأكبر يتمّ منحها للضيوف المنوّعين الذين «يركّبون مقلة البلد» بما طاب لهم من مواضيع وإشكاليات.
تستضيف اماني جحا في برنامجها الفنان والإعلامي والناقد والسياسي والناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وترمي لهم طابة شائكة وتمنحهم حرية الركض خلفها ورَكلها حتى يتناولوا المواضيع الشائقة من كلّ الجوانب التي يمكن أن تهمّ المشاهد، فلا يعتمد التصويب على السخرية الشخصانية أو وجهة النظر الواحدة، بل يتشعّب الى آراء من كلّ الاختصاصات.
وتتميّز جحا بلطافة استثنائية في إدارة الحوار ومقاربة المواضيع، ولا يخفى على المشاهد أنها تحاول في كلّ فكرة أن تخاطب «الأدمغة المحجّبة» في البلد، بهدف إيصال صورة عصرية ومشرقة عن المرأة اللبنانية.
لا يبدو أنّ برنامج «على ما يبدو» وصل إلى إمكاناته الكاملة ويمكنه فَلش مروحة قدراته على المزيد من الفقرات والمواضيع المنوّعة، مع التركيز على جهد فريق الاعداد للابتعاد عن المواد المعلوكة في برامج أخرى وتقديم مواد طازجة، لا تقتصر فقط على السوشل ميديا كمصدر.
بكلّ الأحوال، جرأة أماني جحا ضمن المشهد العام المُتكئ بشكل كبير على الإغراء والتلطيش والتفريق، سلاح في وجه وحش الجندرية والميسوجينية والطائفية والتزَمّت، وسلاح ضد وحش تعليب المرأة وتصنيفها واستهلاك جمالها.
على فكرة، أماني جحا محجّبة، وحجابها هذا لم يضف أو ينتقص شيئاً من مادتها الراقية وحضورها في المشهد الإعلامي.