نصب زعيم البرلمان اليميني خوان غوايدر نفسه رئيساً على فنزويلا، معتمداً على الدعم الأميركي ودول عدة من أميركا الجنوبية، بدعوى أن الرئيس الحالي تولى إثر تزوير معروف بالانتخابات الأخيرة، وبمجرد أن أعلنت أميركا وقوفها مع زعيم المعارضة فإن روسيا مباشرة اتخذت الخط المناوئ من دون تردد، ومعها دول أخرى كالصين.
نحن هنا أمام معضلة أخلاقية تتصارع فيها أهداف عدة، من تعزيز للديموقراطية أو خرق للسيادة الفنزويلية أو خوف من اختراق للهيمنة الأميركية أو موطئ قدم للروس.
تذبذب العلاقات بين أميركا وفنزويلا ليس جديداً، إذ بدأ في الخمسينات بعد تضييق شرس مارسه الأميركيون على الشيوعيين في كاراكاس، وهو ما تعتبره أميركا خط أحمر في منطقة قريبة مشكلة تهديداً لأمنها القومي.
ربما كان نظام الحكم الحالي في فنزويلا فاسداً، واللغط حول التلاعب في الانتخابات ليس مجرد حديث عابر، غير أن السؤال المهم هو: هل يحق لأميركا أن تقرر الأصلح للشعب الفنزويلي؟! أميركا تتصرف الآن على رغم رفض مجلس الأمن لتدويل القضية الفنزويلية.
وزير الخارجية الحالي جورج أريزا يتهم الأميركيين بمحاولة سرقة النفط الفنزويلي والتحكم به، فيما حذر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من أن دونالد ترامب قد أوعز لنظيره الكولومبي باغتياله.
العالم الآن يتشكل من خلال تحالفات تحكمها المصلحة فقط ولا قيمة لآي مفاهيم أخرى، والأمر ينطبق تحديداً على القطبين الأميركي والروسي، لكن الفارق بين الاثنين هو أن الأميركيين لا يميزون بين بلدان متاخمة لهم أو تلك التي في الركن الأقصى من العالم، والجانب الآخر هو أنهم في حالة فنزويلا ومن قبل في حالة العراق بادروا بدعم المعارضة متحججين بأعذار واهية.
بتصوري أن زعيم المعارضة في فنزويلا أضر بقضيته عندما استعان بقوى خارجية، ودرْس العراق جعل العالم كله ينظر بريبة لكل زعيم أو حزب ينشد مساعدة من أميركا حتى لو كان على حق بقضيته. هل سيتكرر سيناريو «خليج الخنازير» في كوبا عندما تقايض الأميركيون والسوفيات بنزع الاسلحة النووية السوفياتية من كوبا على أن تنزع أميركا أسلحتها النووية من الحدود بين تركيا وبين الاتحاد السوفياتي، أو يندفع الأميركيون ويتدخلون عسكريا كما صنعوها من قبل بإسقاطهم نظام شيلي بزعامة سلفادور ليندي عندما دعمت المخابرات الأميركية الجنرال بينوشيه وزير الدفاع آنذاك وأسقطوه بانقلاب عسكري تسبب بعشرات الآلاف من الضحايا، سواء أكانوا بالقتل أم الجرح أم النفي. صحيح أن التشيلي كان محبوباً من شعبه وكان منتخباً بشكل ديموقراطي، غير أن يساريته وعلاقته بالاتحاد السوفياتي آنذاك كانت ذنبا لا يغتفر عند الأميركيين.
السوفيات من قبل – روسيا الآن تمثل الدولة الأقوى بمنظومة الاتحاد السوفياتي قبل سقوطه – كانوا يتدخلون، ولكن في مناطق نفوذهم، كما حدث في ربيغ براغ أو المجر ولاحقا حدثت الانهيارات في معسكر حلف وارسو لتتساقط كحجر الدومينو لينتهي الأمر بسقوط الاتحاد السوفياتي نفسه وتفككه إلى دول كثيرة.
لم يستمر الانتصار الأميركي طويلاً، والسبب واضح، وهو أن لا بلد مهما بلغت قوته يستطيع أن يسيطر على العالم أجمع من دون مقابل وهو ما استغله الروس ليتقدموا من الخلف ممارسين دور المنقذ الطيب ضد الأميركي الشرير، وصحيح أن الأمر لم يكن كذلك في بعض الحالات لكن أصبحت الأمور هكذا لأن الدول الأخرى تهرب من طغيان أكبر إلى طغيان أقل، أو هكذا اعتقادهم.
المعضلة الرئيسة في البيدق الأميركي أنهم هنا يريدون إسقاط رئيس منتخب ديموقراطياً، وهو تدخل سافر في دولة ذات سيادة من دون غبار، ويثبت عدم صدقية الأميركيين تجاه الرأي العام العالمي.
لا أتمنى إطلاقا نجاح للأميركيين في مسعاهم، فالفنزويليون أدرى بشؤون دولتهم، فضلاً عن أنه يشكل سابقة خطرة، مع أن الأميركيين لهم أكثر من سابقة، بيد أن الأخيرة في العراق عام 2003 أثارت ضجة عالمية من الصعب تكرارها، ونفس الوقت نفسه يعتمد الأمر على الجيش والشعب الفنزويلي ومدى وقوفهم بصف الرئيس أو المعارض.