Site icon IMLebanon

دوخة الممانعين!

لا يدلّل على حجم الصدمة التي أصابت أهل المحور الإيراني الأسدي من قرار فلاديمير بوتين الانسحاب من أجندة القتال المفتوح في سوريا، سوى ردود الفعل التي بدأت تتوالى من هؤلاء، غداة صحوتهم من دوخة تلك الضربة التي لم تكن في حسبانهم، لا من قريب ولا من بعيد!

وذلك حكم موثّق وليس استنسابياً ولا كيدياً. ومسوغاته آتية من قرار بوتين ذاته، ومن آليات إعلانه.. ثم من انفلات آلة التعبئة الممانعة على غاربها لنفي عدم علم بشار الأسد المسبق بما قرره بوتين! وصولاً إلى المبالغة التي تؤكد في المحصلة، المراد نفيه!

لكن بغض النظر (وبصعوبة) عن ذلك الأداء المأخوذ والمشغول بالمبالغة والنكران والتزوير، وبالحرص على عدم إبداء أي ورع أو خجل في هذه النكبة، وبإباحة الرغبة في محو (حرفياً) كل معارض أو خصم سوري، أياً تكن الأكلاف والتبعات وأحكام التاريخ والجغرافيا وكتب الأنسنة والأخلاق الحميدة! بغض النظر عن ذلك كله، فإن أصحاب هذا الأداء، أهل هذا المحور، يستمرئون ذلك النهج الذي أوصلهم إلى الحضيض، ويُظهرون تمسكهم بتلك المدوّنة السلوكية التي ستنزلهم درجات إضافية تحت ذلك الحضيض!

أعانهم كلام بوتين بالأمس، على الانتعاش من دوخة قراره، لكنهم مجدداً اهتموا بالشكل وتغاضوا عن المضمون: حكوا كثيراً عن «تنسيق مسبق» بين «الرئيسين»، وذهبوا إلى حد أن الأسد «أبلغ» حلفاءه بالقرار الذي «جاء نتيجة مشاورات متبادلة استمرت أياماً! مع أن أول بيان أصدره بوتين، حدّد بوضوح كاف وتام، بأن القرار اتخذه هو و»أبلغه» إلى الأسد.. ومع أن الإدارة الأميركية نفسها قالت على لسان المتحدثَين باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية، أنها لم تعلم مسبقاً به

وكان يمكن النظر إلى ذلك المعطى باعتباره أساسياً وعادياً (في أداء ذلك المحور) لولا أن «التوضيحات» التي تلته، ومن موسكو تحديداً، لم تؤكد معناه الأول، الذي هو من دون أي أوهام، انسحاب من أجندة إيران الأسد الباحثة عن «حل عسكري»، والذهاب بوعي تام إلى الالتزام بالاتفاق أو التفاهم مع الأميركيين، على جملة خطوات تندرج تحت عنوان «الحل السياسي»، مع أنها لا تليق فعلياً إلاّ بطبخة البحص الأثيرة والشهيرة!

.. أخذوا من كلام بوتين (التوضيحي!) أنه قادر على إعادة طائراته في غضون ساعات إلى سوريا.. لكنهم لم «ينتبهوا» إلى جملته المفصلية التالية، التي أعلن فيها بأنه لا يريد تصعيداً في الموقف! وصولاً إلى نفي مسبق لأي دور لقواته، في المعركة المقبلة المتصلة بـ»تحرير تدمر» من «داعش»! أي أنه، حتى في سياق «الحرب على الإرهاب« التي جاء تحت شعارها إلى سوريا وأطلق بموجبها في أواخر أيلول الماضي «عاصفة السوخوي» التي لم تعصف سوى بالمدنيين وجماعات المعارضة التي تقاتل السلطة و»داعش» معاً.. حتى في ذلك السياق، يقول الزعيم الروسي إنه (من الآن فصاعداً) غير معني! وأن «ثقته» تامة (وغالية) بـ»الجيش السوري»!

واستطراداً من هذه الزاوية، إلى تلك الأخرى المتصلة بإسرائيل! والعلاقات «الحميمة» التي عاد بوتين للتأكيد عليها خلال استقباله الرئيس الإسرائيلي، لا يبدو أهل ذلك المحور أنهم «على السمع»! ولا على الاستيعاب! بل المفارقة هي أنهم أظهروا ويظهرون تمسحة مقصودة إزاء حرص مخلّصهم الروسي المفترض، على «أمن إسرائيل» وبشكل لا يقل بوصة واحدة، عن حرص الإدارة الأميركية التاريخي على ذلك الأمن.. وأظهروا ويظهرون «تصميماً» و»تركيزاً» كبيرين على الحرب ضد السوريين حتى لو كانت (واستمرت!) برعاية خاصة لـ»مصالح إسرائيل»!

والمفارقة العامة أنهم ينكرون حقيقة أن الروسي، يتركهم في نصف الطريق! بل أكثر من ذلك: ينسّق خطواته مع الإسرائيليين الذين أبلغوه بكل وضوح، وأخذ هو بما أبلغوه به وبكل وضوح أيضاً، بأنهم لن يقبلوا بأي وضع مريح لا لإيران ولا لـ»حزب الله» في سوريا!

قد يكون، في «مضمون» قرار بوتين الانسحاب من أجندة إيران الأسد في سوريا، شيء لبناني آخر يتصل تحديداً بما يمكن أن يحصل على جبهة إسرائيل «حزب الله»؟! وهذا احتمال لا يريد ممانعو آخر زمن التوقف عنده كثيراً.. المهم بالنسبة إليهم، أن بوتين أخبرهم «مسبقاً» بأنه تركهم في سوريا.. وسيتركهم في غيرها!