IMLebanon

منتهى الشجاعة الآن..  أن نخاف على لبنان  

تحدثنا في الأسبوع الماضي عن موعد 23 أيلول ورغبتنا بانتخاب رئيس للجمهورية, إنقاذاً للدولة الوطنية اللبنانية, لأنّنا كنّا نرى بأنّ إنتخاب رئيس للبلاد يعكس إرادة وطنية جامعة بالإبتعاد عن الحرائق التي تحاصرنا من كلّ إتّجاه, أمّا وأنّنا لم ننتخب رئيسا للجمهورية فلا داعي للمكابرة أو الكذب أو الإستغراق في التحليلات والمتابعات, لبنان الآن في عين العاصفة وبدون لفّ ولا دوران.

كنّا نتمنى أن نتحدث عن الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة, وعن إجتماعات مجلس الأمن وكلمات الرؤساء, إلاّ أنّ التّطوّرات التي بدأت تبدو أكثر وضوحاً, من آلام أهالي الجنود الأسرى وقطع الطرقات والمداهمات والتّهديدات والتهديدات المضادة والخطب والتّصريحات, كلّ ذلك يجعلني شديد القلق والخوف على وطني الحبيب لبنان, هذا الوطن الذي إفتقدته عشرات السنوات, والتقيته سنوات قليلة قبل أن أفتقده مجدداً وهكذا دواليك..  ما أن نسعد بلقائه حتى يعاد إختطافه من جديد.

لا داعي للإحتراف في الكتابة أو التعبير والتّذاكي في عرض الأمور فهي واضحة تماماً الآن, وبعد إجتماعات جدة وباريس والذي كان فيها لبنان الحاضر والغائب في آن, فبعد أن تمّ الإطمئنان على العراق عبر التّحالف الدولي تُرِك لبنان رهينة وجزء لا يتجزّأ  من الميدان السوري, وليس كما كنّا في السنوات الثلاث الماضية بين مؤيّد لهذا الفريق أو ذاك أو القتال هناك, إنّ الساعات الماضية تؤكّد بأنّ الحريق إنتقل إلى لبنان مع بعض التّذاكي أو المهارات وأيضاً الغباء.

سينكشف أمرنا قريباً وعجزنا وسوف نتبادل الإتّهامات, وستظهر أصوات جديدة ومحاور جديدة وعنف جديد, وسنبكي جميعاً, ليس على الأبرياء الذين سيُقتلون, بل سنبكي لأنّنا أضعنا بلدنا مرة أخرى بعد أن كنّا قد وجدناه, المركب يغرق وسيزداد غرقاً, والحديث عن الضمانات الدولية أوهام, لأنّ الضمانات الدولية مقرونة بشروط دولية, والحقيقة هي أنّنا نحن من يعمل عندهم وليسوا هم من يعملون عندنا.

لا داعي للوم أحد.. كبيراً كان أو صغيراً, لأنّهم جميعاً أرادوا لأنفسهم وجماعتهم ما لا يريده عموم اللبنانيين لأبنائهم ووطنهم, فكيف لا يخاف الناس وهم يرسلون أبناءهم إلى المدارس ويتركونهم بين أيدي من قطع رؤوس شهاداتهم وإمتحاناتهم ولم يرف لهم جفن !.. 143 ألف طالبة وطالب كانوا ضحية عدم المسؤولية الوطنية, أي أبناء كلّ الشعب اللبناني بدون إستثناء بطوائفهم وأحزابهم وزعمائهم, فكيف لا نخاف على أبنائنا وعلى وطننا لبنان ؟..

لا داعي للحديث عن الكهرباء والماء, ولا عن الإنهيار الأمني والسياسي والقضائي والإقتصادي, لا داعي لذلك ليس لأنّه غير مهم ولا يدعو للقلق والخوف, بل لأنّه لا يوجد من نشكو له, فأولي الأمر هم من تسبّب بكلّ هذه المصائب المتكاثرة والمتراكمة على مدى السنوات, وإنّ كلّ هذه الإنهيارات كانت العامل الأساسي في صعودهم وتألّقهم وثرواتهم التي فاقت الخيال.. لا داعي أن نسألهم أو ننتقدهم بعد أن صمتنا طويلاً على ظلمهم وجهلهم وقتلهم لوطننا الحبيب لبنان.

لا داعي لكي نخدّر التّجار والمؤسّسات السياحية والمهرجانات والمعارض والحراك المدني هنا وهناك ومؤسّسات التدريب الدولية على الديمقراطية وعناوينها التي لا علاقة لها بأوجاع الناس.. لا داعي لأنّ نفسد عليهم غفوتهم أو وهمهم.. لقد أدمنوا الأوهام والتّكيف مع القهر والإستبداد واعتبار أنفسهم أنقياء وأنّ المرتكبين هم غيرهم من اللبنانيين.. وهذا غير صحيح فلولا أنّنا جميعاً مخدّرون ومدمنون على الأكاذيب والأوهام لما إستطاع هؤلاء التّحكم بمصيرنا واحتقارنا والتّصرف على هواهم بوطننا الحبيب لبنان..

إنّ أسخف ما لدينا هم طبقة الحكماء والخبراء في النّزاعات الدولية والإقليمية والجالسون على الشاشات يحتسبون نقاط لهذه الدولة أو هذا الفريق أو ذاك.. فإنّهم أغبى ما لدى لبنان من جماعات لأنّهم لا يعرفون بأنّ الحرائق تحت وسائدهم وفي لقمة عيشهم ومستقبل أطفالهم, وخصوصاً وهم يشاهدون الإرهاب والنزاعات واليائسون والبؤساء والخائفون والنازحون يملأون لبنان, مما يجعلنا جمهورية للبؤساء, فهنيئاً لحكماء لبنان ضياع لبنان.

تعلّمتُ عدم الخوف خلال سنوات الحرب الطويلة, إذ كان علينا أن لا نخاف كي نذهب إلى عملنا أو مواعيدنا أو حتى إحتساء قهوتنا.. لأنّ كلّ ذلك كان يمكن أن يكون سبباً في موتنا, حتى بيوتنا وسياراتنا وطرقاتنا كانت خطرة علينا وتهدّد حياتنا, وكان علينا لكي نبقى على قيد الحياة أن لا نخاف الموت على قاعدة « حبّ الموت يَكْرَهُه غيرُك «, حتى أصبح عدم الخوف ثقافة لبنانية شائعة لدى جميع اللبنانيين, وكنّا نسميها شجاعة اللبنانيين الأشداء.. الذين لم يخافوا على وطنهم ولا على أطفالهم ومدنهم وعمرانهم وإقتصادهم وسياحتهم وإستثماراتهم وجامعاتهم ومدارسهم وبيوتهم ومسارحهم, كانوا شجعانا أشداء, إلى حدّ أنّهم دمروها كلّها وهَجَّروا وقَتَلوا وأَحْرَقوا وسَرَقوا وظَلَموا, وكلّ ذلك بما هم أبطال شرفاء, وقدّسناهم وتقرّبنا منهم وكنّا شجعانا أيضاً لأنّنا لم نخافهم.. حتى 23 أيلول 2014 وأنا أعني ما أقول.. كنت أعتقد بأنّ الشّجاعة هي بأن لا نخاف.

تابعتُ بذهول قادة العالم القوي والكبير وهم يشهرون خوفهم وقلقهم من الجنون والتّطرّف وقطع الرؤوس الموجودة عندنا, وعقدوا الإجتماعات واتّخذوا القرارات ورصدوا الأموال وشنّوا الغارات خوفاً على أوطانهم ومواطنيهم, كانوا يتنافسون في ما بينهم على من يعبّر أفضل عن خوفه وقوّته في آن, وتابعتُ عنتريات شجعان السياسة في لبنان.. وأَدركتُ كم كنت «حماراً « كلّ تلك السنوات الطوال عندما كنت أعتقد أنّ الشجاعة هي أن لا نخاف.. إلى أن أدركتُ بأنّ منتهى الشّجاعة الآن.. هي أن نخاف على لبنان.