Site icon IMLebanon

الفيتو والأهداف الجيوسياسية:  روسيا قوة ستاتيكو

لا شيء يحرج روسيا في سوريا، وان لم يكن الاحراج للاخراج. لا تقارير الأمم المتحدة التي تتهم النظام باستخدام أسلحة كيماوية. ولا اعطاء الأولوية عمليا لقصف مواقع المعارضة خلافا للخطاب الذي يعطي الأولوية نظريا لمحاربة الارهاب وبشكل خاص داعش وجبهة النصرة. لكن الغرب يكرر محاولة الاحراج. فما فعلته واشنطن ولندن وباريس هو عرض مشروع قرار للتصويت في مجلس الأمن يفرض عقوبات على مسؤولين سوريين، مع معرفتها ان الفيتو الروسي – الصيني المزدوج جاهز ومعلن. وما فعلته موسكو هو العمل على الطريقة الأميركية.

ذلك ان الحجة التي استخدمتها واشنطن ولا تزال لمنع أي قرار في مجلس الأمن يغضب اسرائيل هي ان القرار يعرقل مساعي التسوية في الصراع العربي – الاسرائيلي، وان كانت المساعي متعثرة والتسوية معطلة. كذلك الأمر في حرص ادارة الرئيس باراك أوباما على اغلاق الباب أمام أي قرار أو موقف يغضب طهران خشية أن يؤثر على مسار المفاوضات حول الملف النووي. والحجة التي بررت بها موسكو الفيتو في الموضوع السوري هي، بعد التشكيك بالتقارير والسؤال عن الأدلة، رفض أي عقوبات على سوريا لأنها ستقوّض جهود السلام في محادثات استانة وجنيف، كما قال الرئيس فلاديمير بوتين. وهو يعرف أكثر من سواه ان التسوية متعثرة، ان لم تكن متعذرة.

لكن اللعبة أشدّ تعقيدا من ذلك. فالفيتو السابع خلال ست سنوات من حرب سوريا له دلالات معبّرة جدا. وهو يتعلق بما سجلته موسكو من أهداف جيوسياسية عبر تدخلها العسكري المباشر في الحرب. وحسب وزير الدفاع سيرغي شويغو، فان الأهداف الجيوسياسية التي حققناها متعددة. أولها وضع حدّ لمحاولات تغيير النظام بدعم خارجي، وانقاذ سوريا من التفكيك، وانهاء حرب أهلية كادت تفتك بالبلد. وثانيها، وهو الهدف الأوسع، وقف سلسلة ثورات ملونة في الشرق الأوسط وأفريقيا يعتبرها الغرب وسيلة لنشر الديمقراطية عبر اسقاط أنظمة غير ديمقراطية بالقوة لا بالوسائل الديمقراطية.

والترجمة الاستراتيجية لذلك ان روسيا التي تلعب دور قوة تغيير في أوروبا هي قوة ستاتيكو في الشرق الأوسط.

فما فعلته عسكريا في جورجيا وأوكرانيا تكمله سياسيا في كل أوروبا. وما تريد الوصول اليه من دعم التيارات اليمينية المتطرفة والشعبوية هو تفكيك الاتحاد الأوروبي والتخلص من حلف الناتو. ومنذ خديعة القرار الدولي الذي استخدمه الغرب لاسقاط القذافي، وهي ترى في ثورات ما سمّي الربيع العربي نماذج منسوخة عن الثورات الملونة التي أسقطت الأنظمة الحليفة لها في أوروبا الشرقية.

وليس لديها لحماية مصالحها في الشرق الأوسط سوى منع اسقاط الأنظمة. وهذا، للمفارقة، ما مارسته أميركا أيام الحرب الباردة.