هل بات واردا، في ظلّ وجود مرشّحين معروفين هما سليمان فرنجيه وميشال عون، انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، أم أن «حزب الله» يمتلك اهدافا تتجاوز بكثير رئيس الجمهورية الماروني وصولا الى تقليص صلاحيات رئيس مجلس الوزراء السنّي؟
كان يمكن لـ»حزب الله» الخروج بموقف مؤيّد لإنتخاب النائب ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، خصوصا بعد تبنّي رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ترشيح عدوّه اللدود في الأمس القريب للرئاسة.
لا يبدو «حزب الله» مستعجلا على انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. هل كان اتفاق الدوحة في ايار 2008، الذي جاء بالعماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، المحاولة الناجحة الاخيرة كي لا يكون هناك فراغ رئاسي في لبنان من دون تعديل للدستور؟
ستكون الاسابيع القليلة المقبلة محورية. ستكشف ما اذا كان هدف «حزب الله» ايصال مرشّح يعجبه ويرضى به الى الرئاسة، ام انّ الهدف الحقيقي تغيير طبيعة النظام اللبناني بشكل نهائي وتعديل الدستور من اجل ايجاد موقع شيعي ثابت يستطيع من خلاله «حزب الله»، اي ايران، التحكّم بلبنان الى ما لا نهاية؟
هذا الموقع المطلوب ايجاده، والذي لا يتحدّث عنه احد علنا، هو موقع نائب لرئيس الجمهورية يشغله مواطن شيعي، في وقت يعتبر «حزب الله» نفسه المؤتمن على حقوق هذه الطائفة الكريمة.
يُفترض من وجهة نظر الحزب ان يمتلك نائب رئيس الجمهورية صلاحيات واضحة تعطيه حقّ ممارسة «الفيتو» على اي قرار ذي طابع وطني. يكون ذلك بزيادة صلاحيات رئيس الجمهورية، اي زيادة صلاحيات نائب رئيس الجمهورية وتقليص صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، كما نصّ عليها اتفاق الطائف. حجّته ان الطائفة الشيعية غائبة عن السلطة التنفيذية، متجاهلا ان هذه السلطة موجودة في مجلس الوزراء مجتمعا!
هناك بكلام اوضح، رغبة ايرانية في وضع اليد على لبنان بشكل رسمي، وليس عبر سلاح ميليشيا مذهبية فقط، اي عبر الدستور الذي صار مطلوبا تعديله قبل انتخاب رئيس للجمهورية. وذلك يكون عبر المؤتمر التأسيسي الذي سبق ودعا له، ثمّ تراجع عن الدعوة، السيّد حسن نصرالله الامين العام للحزب.
في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده ميشال عون مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» قبل ايّام، كان هناك طي لصفحة من الخلافات المسيحية ـ المسيحية استمرّت ما يزيد على ربع قرن. كان مفيدا الانتهاء من هذه الخلافات التي لا تفيد احدا في لبنان.
لكنّ الملفت ان عون استمع الى جعجع يتلو عليه برنامجه الانتخابي، بما في ذلك التزام وثيقة الوفاق الوطني التي تضمنها اتفاق الطائف الذي بات مرفوضا من «حزب الله»، نظرا الى انّه يقوم على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وليس على المثالثة بين المسيحيين والشيعة والسنّة.
سيتبيّن قريبا هل يسعى «حزب الله» الى انتخاب رئيس للجمهورية موال له ومتحالف معه، كما الحال مع ميشال عون، ام ان ما يهمّه حقيقة هو تعديل النظام المعمول به في البلد منذ التوصل الى اتفاق الطائف في خريف العام 1989.
كان سمير جعجع على حقّ عندما قال في المؤتمر الصحافي، والى جانبه ميشال عون، ان الكرة صارت في ملعب «حزب الله» وان الطريق باتت ممهّدة لإنتخاب رئيس للجمهورية في غضون ايّام.
هناك بكلّ بساطة حسابات خاصة بـ»حزب الله»، اي بايران، واخرى خاصة بميشال عون. في الوقت الراهن تسيطر ايران على السياسة الخارجية للبنان، ذلك ان وزير الخارجية جبران باسيل، صهر ميشال عون، لا يفوّت فرصة لاظهار انّه وزير للخارجية الإيرانية. لذلك، لا يبدو «حزب الله« مستعجلا على انتخاب رئيس للجمهورية. يعتقد ان الوقت يعمل لمصلحته وانّ الامور تسير في الاتجاه الذي يريده، خصوصا في ظلّ حال الإهتراء التي يعاني منها لبنان على كلّ صعيد، خصوصا في المجال الاقتصادي.
يبقى سؤال اخير. ما الذي سيفعله ميشال عون في حال منعه «حزب الله» من تحقيق حلمه من منطلق ان المشروع الايراني في لبنان يتجاوز الاشخاص الى ما هو ابعد من ذلك بكثير… اي الى وضع اليد على البلد عن طريق المؤسسات لرسمية والدستور وعن طريق قانون انتخابي جديد يلائم الحزب ولا يلائم خصومه ولا يلائم لبنان التعددي المتمسك بثقافة الحياة بكلّ ما تمثّله.
الم يراهن «الجنرال» في الاعوام 1988 و1989 و1990 على صدّام حسين في الحرب التي خاضها مع حافظ الاسد الذي استطاع، بفضل هذه الحرب، الخاسرة سلفا، بلوغ قصر الرئاسة في بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية القريبة من القصر الرئاسي وتحويل لبنان محميّة سورية طوال خمسة عشر عاما؟
يجد لبنان نفسه هذه الايّام في مواجهة وضع جديد لا سابق له. هناك مرشّحان لرئاسة الجمهورية ينتميان الى فريق معيّن معروف هو الثامن من آذار. من يقود جوقة الثامن من آذار يقف على رأس رافضي النزول الى مجلس النوّاب لانتخاب الرئيس.
هل من مهزلة اكبر من هذه المهزلة، هل من انكشاف اكبر من هذا الانكشاف للدور الايراني في لبنان الذي لا هدف له سوى القضاء على كلّ ما هو عربي في البلد وعلى اي رابط بين الوطن الصغير ومحيطه الطبيعي؟