Site icon IMLebanon

القضاء الضحية.. بين متفجرات سماحة وغضب وزير العدل!

لا يوجد بين اللبنانيين من لا يشكك بنزاهة القضاء. لكن في المقابل، لا أحد، غير المستفيدين، إلا ويأمل بالوصول إلى سلطة قضائية قادرة على إعطاء صاحب الحق حقه ومعاقبة من يستحق، بدون استزلام للنافذين.

ما حصل في قضية ميشال سماحة، لم يكتفِ بإعادة تسليط الضوء على أزمة القضاء، بل عمّقها. التدخلات السياسية في عمل السلطة القضائية بشكل عام قد لا تحتاج إلى برهان. وهي حكماً لم تبدأ مع الموقف العنيف لوزير العدل من المحكمة أو من إحالته القاضية ليلى رعيدي إلى التفتيش. كما لم تبدأ مع فصل قضية سماحة عن قضية المملوك، أو مع تسريع المحاكمة بشكل دراماتيكي. كما لن تنتهي مع تسريب التسجيلات الخاصة بسماحة، التي يفترض أن تكون بحوزة جهتين فقط هما: «فرع المعلومات» الذي ألقى القبض على سماحة بعد استدراجه، والمحكمة العسكرية التي حاكمته. الأمر أبعد من ذلك وأعقد من اتهام «حزب الله» بالسيطرة على المحكمة العسكرية، بمعزل عما إذا كان ذلك صحيحاً أم لا، خاصة أن المحكمة نفسها، سبق وأصدرت أحكاماً مخففة على عدد كبير من العملاء والإرهابيين، من دون أن يسمع أي اعتراض سياسي.

عندما نزل وزير العدل من جلسة مجلس الوزراء ليدلي بدلوه، عبر الإعلام، بشأن «مسخرة المحكمة العسكرية»، فتح باباً صار من الصعب إغلاقه. لم يعد الحكم على ميشال سماحة هو القضية. كما أن النقاش لم يعد في العقوبة وعدالتها أو مدتها. ذلك نقاش قانوني يبدأ ولا ينتهي، خاصة أن القانونيين أنفسهم منقسمون في ما بينهم في قراءة العقوبة.. وإن كانوا يتفقون على أن مدة العقوبة هي صلاحية مطلقة للمحكمة. وإذا كانت الأكثرية ترى أنها أتت مخففة كثيراً، خاصة أن المتهم اعترف بنيته الجرمية، يخرج من يدافع عن الحكم، انطلاقاً من أن النية الجرمية ليست جرماً في القانون، كما أنها لا تصنف في خانة محاولة القتل.

باختصار، انزلق الاعتراض على الحكم من الاعتراض القانوني إلى الاعتراض الاستعراضي، بما أفقد المعترضين جديتهم، وأوحى أن الهدف ليس نقض الحكم الذي سلك طريقه القانونية، من خلال الطعن الذي سيقدمه الإدعاء (بغض النظر عن النقاش القانوني حول حقه في ذلك)، ونقل المعركة من اعتراض على حكم قضائي إلى معركة مع المحكمة العسكرية وكذلك مع رئيسها العميد خليل ابراهيم، الذي رشحه النائب سليمان فرنجية لمنصب وزاري، مشيراً إلى أنه «أحق من الذين أفرجوا عن عملاء إسرائيل وأصبحوا وزراء».

في قراءة الحركة الاعتراضية، ثمة من يقول إن المطلوب مقايضة ما، وهي على الأرجح تتعلق بملف الإسلاميين. وقد لَمَّح إلى هذا المطلب كُثُرٌ أمس، من بينهم الرئيس نجيب ميقاتي الذي سأل: «هل يعقل أن تبقى ملفات معلقة امام القضاء سنوات وسنوات ويزج بالناس في السجون من دون محاكمة؟ وأين حقوق الموقوفين منذ سنوات او الذين تم توقيفهم مؤخرا في محاكمة عادلة لاحقاق الحق، وقد امضى بعضهم في التوقيف مدة اطول من الاحكام التي يمكن ان تصدر بحقهم، وبعضهم اوقف لمجرد الشبهة، فيما تصدر احكام على آخرين بطريقة تثير الالتباس؟».

مع ذلك، فإن الموقف الذي أطلقه الوزير نهاد المشنوق رابطاً قضية سماحة ونتائجها القضائية باغتيال اللواء وسام الحسن، أوحى أن المعركة لن تنتهي قريباً مع المحكمة، وهو ما كرره الوزير أشرف ريفي أيضاً بإعلانه أن «قوى 14 آذار اتخذت قراراً، بموافقة الرئيس سعد الحريري، أن تكون قضيتنا الوطنية الحالية هي المحكمة العسكرية»، علماً أن الموقف الانفعالي الذي صدر عن ريفي أمس الأول ناعياً فيه المحكمة، بقي يتفاعل أمس، حيث ردت عائلة سماحة على وزير العدل، متهمة إياه بالتحريض وواصفة عملية الطعن بـ «الإرهاب الاستباقي». وكذلك فعل عدد من المسؤولين، الذين طالبوا ريفي بالاستقالة، لا سيما منهم الوزير السابق سليم جريصاتي.

في المقابل، شهد يوم أمس سيلاً من المواقف المنتقدة لقرار المحكمة العسكرية والداعمة لريفي، فيما سجلت زيارة لوفد من «حزب الله» ضم مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا والنائب نوار الساحلي إلى مجلس القضاء الأعلى. وبالرغم من أن الموعد كان مقرراً سابقاً إلا أن الزيارة أخذت بعداً تضامنياً مع القضاء. علماً أن المجلس وجد نفسه مضطراً للدخول على خط الأزمة إثر إحالة وزير العدل للمستشارة المدنية بالمحكمة العسكرية القاضية ليلى رعيدي على التفتيش القضائي، ربطاً بالحكم الصادر بحق سماحة. وفي رد قاس للمجلس على ريفي، ذكّر المجلس، في بيان، بأن «النظام القضائي في لبنان يلحظ طرقا للمراجعة ضد أي قرار يُشكى منه، وأن نسبة أي مأخذ إلى قاضٍ، لها آلية مكرسة في القانون، وهذه الآلية محكومة بجملة شروط أهمها السرية، فلا يجوز خرقها عبر الإعلان عن إحالة قاضٍ بالذات على التفتيش القضائي أيا كانت الأسباب أو الظروف».

باختصار، يقول مصدر معني إن «أمور القضاء لا تدار بالبيانات والإعلام. فذلك لا يؤدي إلا إلى أذية القضاء، وبالتالي أنفسنا». كما يذكر أن القانون يسمح للقضاء بتنظيف نفسه بنفسه، من خلال الأجهزة التأديبية. وهو ما حصل فعلاً في الحكومة الماضية حيث صدر قرار بصرف أربعة قضاة تأديبياً، بشكل سري، بدون أي تدخل من وزير العدل، الذي لا يملك سلطة على القضاء أصلاً، إلا من باب دعم قراراته.