هل دقّت الساعة للبحث عن مقاربة مختلفة لتأليف الحكومة؟ ماذا يعني ان نبقى في النقطة نفسها من أزمة التأليف بعد دخول التكليف شهره الخامس؟ وهل الوقت السياسي في لبنان يختلف عن الوقت في العالم، حيث الحكمة القائلة: الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك؟
ليس قليلا عدد الذين يطرحون أفكارا من خارج الصندوق: حكومة أقطاب مصغرة، على أساس ان أمراء الطوائف هم الحكومة الفعلية. حكومة اختصاصيين محايدين، مع ان صفة الحياد نادرة في لبنان المطلوب له ومنه الحياد. حكومة مؤتمر سيدر بمعنى التوافق على تحقيق الاصلاحات المطلوبة في المؤتمر لكي نحصل على الاستثمارات المقررة. وعلى الأقل، حكومة من ٢٤ أو ١٦ وزيرا بدل حكومة الثلاثين التي جرى اعتبارها حجر الأساس المتفق عليه لادارة السلطة.
لكن المعنيين بالتأليف ليسوا في وارد تغيير المقاربة. ومنطقهم هو ان لبنان في حاجة الى حكومة وحدة وطنية تعكس نتائج الانتخابات النيابية وتساهم في الحفاظ على الاستقرار الأمني والاستقرار السياسي الهش، وفي مواجهة التحديات الخارجية أمام لبنان. لا بل انهم ثابتون على رقم الثلاثين، ويرون ان ما يعرقل تأليف حكومة الثلاثين هو نفسه ما يعرقل تأليف أي صيغة حكومية أخرى.
والحجة هي انه اذا كانت العقدة الأساسية داخلية، فلا حلّ إلاّ بالصبر وعضّ الأصابع. واذا كانت العقدة الأساسية خارجية، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله. وفي الحالين، لا حكومة. مجرد تكرار ينطبق عليه القول الشهير لانشتاين: ان تكرار التجربة على المواد نفسها، وتوقع نتيجة مختلفة، هو ضرب من الجنون. ومعاذ الله توصيف أحوالنا بالجنون، إذ نحن ضحايا العناد والغطرسة والتأله.
لا بل نحن ضحايا ثنائي العقم والغُنم. العقم في التفكير السياسي. والغُنم على طريقة القبائل، باعتبار السلطة غنيمة نتصارع على الحصص فيها أو ندعي الاتفاق على توزيع الغنيمة حسب الأسهم التي سجلها كل طرف في بورصة الانتخابات النيابية. حتى حين نعترف بخطورة الأوضاع المالية والاقتصادية بسبب السياسات المالية والاقتصادية الخاطئة، فاننا نفاخر بالسياسة النقدية التي حافظت على الليرة. كأن السياسة النقدية بديل من السياسات المالية والاقتصادية. وكأن من الممكن ان تستمر السياسة النقدية الجيّدة اذا صار تحتها فراغ مالي واقتصادي وبؤس اجتماعي.
والسؤال البسيط هو: هل المطلوب حكومة للانجاز أم للاجهاز على المنافسين والخصوم؟ وهل نحن نملك ترف الوقت في لعبة سلطة فقط؟
المنطقة التي يضربها الاضطراب تواجه مرحلة جديدة من الصراع الاقليمي والدولي لاعادة تشكيل الخرائط في اللعبة الجيوسياسية. ولبنان ليس خارج اللعبة، ولا هو عصيّ على تطورات في الداخل.