عشية وصول نائبة وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند الى بيروت، انشغلت الحكومة بترددات الهجوم المبرمج على المحقق العدلي، بهدف «قبعه»، بدل ان تكون مستعدة للتحضير للزيارة التي اعتُبرت الأهم لموفد اميركي في ظلّ الظروف الراهنة ومضمون جدول أعمالها. وخصوصاً إن لم تكن زيارتها لموسكو موفقة. فملف لبنان والمنطقة كان على جدول أعمالها. وعليه، ما الذي يقود الى هذه المخاوف؟
من المتوقع ان تكون نولاند قد وصلت الى بيروت مساء أمس، فمواعيدها الرسمية تنطلق اليوم بلقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون ومن بعده كلاً من رئيسي مجلس النواب والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي، قبل ان تلتقي في الساعات المقبلة كلاً من وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، في انتظار التثبت من زيارة تقوم بها الى قيادة الجيش في اليرزة، هذا قبل ان تلتقي ممثلين من «القوى التغييرية» ومجموعة من الناشطين، للوقوف على رأيهم في التطورات الاخيرة على الساحة اللبنانية، في ظل النقاش الحاد الذي يهدّد التضامن الحكومي عند البت بمصير المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار، والاستعدادات الجارية للإصلاحات الإدارية والمالية، والتحضير للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة الى برامج المساعدات الاميركية المختلفة.
عند هذه المعطيات تترقب الأوساط السياسية والديبلوماسية ما ستكون عليه الزيارة، في ظلّ عدد من المؤشرات المتضاربة. فقد سبقت وصولها الى بيروت التردّدات السلبية للبيان الصادر عن المتحدث بإسم الخارجية الأميركية نيد برايس، الذي عبّر في خلال مؤتمر صحافي تناول مستجدات الأحداث الدولية عن «دعم بلاده لاستقلال القضاء اللبناني»، داعياً السلطات المختصة الى «تسريع وتيرة التحقيقات حول انفجار مرفأ بيروت». وبالتزامن مع الضجيج الذي أحدثته المواجهات في مجلس الوزراء حول الموضوع، لا يمكن تجاهل المواقف التي ربطت بين مضمون البيان – رغم أنّه لم يأت بأي جديد – واتهام «حزب الله» بيطار باندفاعته، تنفيذاً لشروط اميركية لم يثبت منها شيء حتى اليوم، في وقت يُقال انّ بيطار لا يستمع الى المواقف السياسية ولا يتابع الأخبار، وهو يعمل وفق آلية اعتمدها من دون ان يردّ على احد او يدير أذنه لأحد.
وعلى هذه المستجدات، بُنيت بعض المخاوف من موجة تصعيد تستبق زيارة نولاند، وتتزامن مع وصولها. فإنّ تحريك الشارع الشيعي اليوم على وقع ما ستسفر عنه أي جلسة لمجلس الوزراء متى عُقدت بعد تأجيل جلسة امس، إن لم تتجاوب الحكومة مع مطالب وزرائه من أجل التدخّل في شأن قضائي لم يحصل من قبل بهذا الشكل اللافت. فالتحضيرات كانت بدأت منذ أمس، لتنظيم تحرّك قانوني لمحامي «الثنائي الشيعي» وآخر لأنصار حركة «امل» و»حزب الله» وتيار «المردة» في اتجاه قصر العدل، تزامناً مع وجود الموفدة الاميركية في قصر بعبدا، وقد تكون في طريقها الى عين التينة في ذروة التحرك إن بقي موعده قائماً اليوم، وهو ما سيلقي بظلاله على أولى محطات الزيارة وربما تمادى الامر لينعكس عليها كاملة.
وعليه، فقد توافقت مراجع سياسية وديبلوماسية مع مضمون المداخلة التي أنهى فيها رئيس الجمهورية جلسة أول من أمس، عندما حذّر من احتمال قيام شارع جديد في مواجهة شارع اهالي ضحايا المرفأ، قبل ان يدعو الى ترك الملف في عهدة وزير العدل القاضي هنري خوري، ليقترح حلاً يُخرج مجلس الوزراء من المأزق بأقل الخسائر الممكنة. فما شهدته جلسة الأمس أوحت بسرعة قياسية بوجود مخاطر جدّية لامست التضامن الحكومي الذي عكس هشاشة غير متوقعة في اولى جلساته بطريقة أثارت القلق على وحدته.
وبالإضافة الى ما تقدّم، لا يمكن تجاهل انّ جدول اعمال زيارة نولاند، الذي يجمع الى ملف الإصلاحات التي تنتظرها الإدارة الاميركية من الحكومة الجديدة، تناوله أزمة الطاقة في لبنان والإذن الاميركي الذي أُعطي بإعفاء اي مشروع يؤدي الى معالجتها من مقتضيات «قانون قيصر» وما يفرضه من عقوبات على سوريا، وهو ما سيحيي تحذيرات مسؤوليها من مخاطر التمادي في نقل المازوت الإيراني الى لبنان بطريقة غير شرعية، وخرق العقوبات المفروضة على طهران كما على سوريا، عند استخدامه للمعابر غير الشرعية مع لبنان.
وعندها، يعترف المراقبون العارفون، انّ إثارة الموفدة الاميركية لجريمة تفجير مرفأ بيروت كما لمصير القرارات الدولية، ولا سيما منها القرار 1701 الذي تحدث عن ضبط المعابر البرية والبحرية وتطبيق القرارات الدولية السابقة، ستثير حفيظة «حزب الله»، لأنّه لا يمكن البحث في هذه العناوين دون ان تجّدد الموفدة الاميركية إدانتها لاستمرار اقتناء الحزب للسلاح غير الشرعي واستخدامه المعابر غير الشرعية، الى ما هنالك من لائحة الاتهامات الموجّهة الى الحزب.
عند هذه المخاوف يتوقف المراقبون، قبل التطلع الى مهمّة نولاند في موسكو وما انتهت اليه، لتقدير احتمال ان تنعكس على كل جولتها، ومن بينها محطتها البيروتية. وعلى الرغم من اعتقاد البعض بضرورة الفصل بين الزيارتين، فإنّ هناك من يصرّ على الربط بينهما، طالما انّ المعلومات التي وردت من موسكو تحدثت عن وجود ملف الأزمة السورية على طاولة البحث بينها وبين المسؤولين الروس، باعتراف الناطق الرسمي بإسم السفارة الأميركية في موسكو جيسون ريبهولت، الذي نقل عنها قولها في وصف المحادثات بأنّها «كانت بنّاءة لمناقشة عدد من القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية مع المسؤولين في الخارجية الروسية».
وفي هذه الأجواء، تترقب الأوساط الديبلوماسية نتائج الزيارة الروسية، في ظل ضبابية المواقف وندرة المعلومات الواردة من موسكو. فالمسؤولون الاميركيون اكتفوا بالعموميات، بعدما عبّرت نولاند عن ارتياحها الى فك الحظر الذي تفرضه موسكو عليها، والسماح لها بزيارتها لأيام ثلاثة. ورغم وصفها لها بالإيجابية، لم تدخل في اي تفاصيل. لكن ما زرع القلق، كان اعتراف وكيل وزارة الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف، الذي أجرى المحادثات معها، أنّ «روسيا والولايات المتحدة لم تحققا أي تقدّم كبير في شأن خلاف على عمل سفارة كل منهما لدى الأخرى خلال محادثات موسكو اول امس الثلثاء»، مشيراً إلى أنّ هناك احتمالاً لأن تتدهور العلاقات بين البلدين بدرجة أكبر. وما زاد في الطين بلّة قوله بعد اللقاء معها، إن «مواقفنا لا يمكن التوفيق بينها. الأميركيون لا يسمعون منطقنا ومطالبنا. لكنّ المحادثات كانت مفيدة».
وختاماً، لا بدّ من التوقف عند كل هذه المعطيات، ليسهل استكشاف الظروف التي سترافق الزيارة البيروتية، وما يمكن ان تؤدي اليه. فإن بقيت المواقف على حالها من التحدّي داخلياً، سيكون لها انعكاساتها السلبية، وإن ظللتها الأجواء الدولية المتشنجة ستنتهي الى النتيجة عينها، على الرغم من الاعتقاد بأن ليس هناك من معايير للفشل او النجاح على خط واشنطن – موسكو، طالما انّ الحوار مستمر. ولذلك كله، ما على اللبنانيين سوى انتظار محطات الزيارة لتقدير نتائجها. فواشنطن وموسكو وطهران ودمشق حاضرة في زواياها وعلى جدول أعمالها بأدق تفاصيلها.. فلننتظر.