Site icon IMLebanon

بيروت عند واشنطن: ما بين موسكو ولندن!؟

 

لم يغيّر إسقاط عضوية المستشار الأول في وزارة الخارجية لشؤون الطاقة اموس هوكشتاين من أعضاء الوفد الذي ترأسه وكيلة وزارة الشؤون الخارجية الاميركية المكلّفة الشؤون السياسية فيكتوريا نولاند في زيارتها لبيروت غداً، من اهمية الزيارة، بمقدار ما اعطاها زخماً، وخصوصاً إن تقدّمت ملفات الإصلاحات والغاز المصري على ملف الترسيم البحري مع اسرائيل. فالفصل بينهما له ما يبرّره. فكيف السبيل الى هذه المعادلة؟

 

ليس من المنطقي تجاهل أهمية الزيارة التي تقوم بها وكيلة وزارة الشؤون الخارجية الاميركية المكلّفة الشؤون السياسية السيدة فيكتوريا نولاند، فهي الأولى من نوعها لها بعد 9 أشهر على تولّيها منصبها خلفاً للسفير ديفيد هيل في الأيام الاولى من دخول الرئيس الاميركي جو بايدن الى البيت الابيض، وأيام قليلة على تسمية وزير الخارجية أنتوني بلينكن. فنولاند شخصية ديبلوماسية معروفة أدّت أدواراً مهمّة في إدارة الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما، وتعاونت مع الرئيس الحالي بايدن عندما كان نائباً للرئيس.

 

وإن عاد المراقبون الى تلك المرحلة، لا يمكنهم تجاهل مواقفها الحادّة، الى درجة قيل يوم تعيينها، انّها من الدلالات الكبرى الى صعوبة تحسين العلاقات بين واشنطن وموسكو بالنظر الى مواقفها المتشدّدة من أزمة اوكرانيا وجزيرة القرم، وهي أثارت جدلاً ما زال قائماً حتى الأمس القريب، وهو أمر ينسحب على مواقفها المتصلة بالاستراتيجيات الاميركية الكبرى، وخصوصاً عند الحديث عن المواجهة المستمرة بين القطبين الروسي والاميركي، كما بالنسبة الى بعض حلفاء الطرفين ومنهم إيران، خصوصاً وهو ما يمكن ان تكون له انعكاسات، حيث المواجهة الايرانية ـ الاميركية ليست على مستوى الملف النووي فحسب، انما بالنسبة الى ما تسمّيه ادوار حلفائها وأذرعتها في العالم، من العراق وسوريا الى اليمن وصولاً الى لبنان، بعدما تحوّل ساحة ملحقة بالنزاع بوجهيه الإقليمي والدولي.

 

على هذه الخلفية يقرأ زوار العاصمة الاميركية العائدون الى لبنان والمنطقة، اهمية الزيارة الاميركية، خصوصاً أنّها ستبدأ من موسكو قبل بيروت لتعود الى بريطانيا. ففي الربط بين هذه العواصم ما يستدعي التوقف عنده. فبعضهم يرى ترابطاً بين ثلاثية العواصم، وضع لبنان في صلب المواجهة الحامية القائمة بين الدورين الاميركي والايراني في لبنان والمنطقة بعد الروسي. فالساحة اللبنانية بالنسبة الى الولايات المتحدة تحولت ملعباً لبعض أشكال النزاع بين هذه القوى، وهو ما أكّده الاهتمام الذي عبّرت عنه الإدارة الاميركية لتغيير بعض الواقع المرّ الذي يعيشه، انطلاقاً من باب معالجة أزمة الطاقة في موازاة الأهمية المعطاة للجيش اللبناني والقوى العسكرية والامنية وملف الإصلاحات على انواعها، والتي يمكن ان تعيد الثقة الدولية المفقودة بلبنان.

 

وفي التفاصيل، فإنّ زيارة نولاند لموسكو هي الثانية في غضون فترة لا تتعدى الشهر، فهي كانت هناك بعدما خصّصت زيارتها الاولى للأزمة الاوكرانية بوجوهها المختلفة، كما بالنسبة الى ملف الطاقة والغاز تحديداً، قبل ان تضمّ بيروت الى جولتها الثلاثية الدولية كما سمّتها، والتي ستختتمها بزيارة لندن. وهو ما جعل من زيارتها اللبنانية محطة اساسية لا يمكن تجاهلها، وإن كانت المحطة الاخيرة في لندن مناسبة للبحث في ملف العلاقات الاميركية – البريطانية المتشعبة، وخصوصاً المستجدة منها، بعدما تضامنت العاصمتان في توجيه ضربة قوية لباريس في ما سُمّي صفقة بيع “الغواصات التقليدية الفرنسية” لاوستراليا حليفة بريطانيا، واستبدالها بالغواصات الأميركية العاملة بالطاقة النووية، في محاولة للتمييز بين نوعية السلاحين التقليدي والنووي، تعزيزاً لوجود واشنطن وحلفائها في المحيطين الهندي والهادئ على الحدود البحرية للعدو الصيني الجديد.

 

وإن سأل سائل: ما الذي حشر بيروت بين المحطتين الروسية والبريطانية؟ يجيب الزوار، انّ الحديث عن ملف الطاقة بالنسبة الى الاميركيين لا ينتظر ربطاً بالموقع الجغرافي لخطوط إنتاجها وتسويقها. فــ “الشبكة الطاقوية” بالنسبة اليهم شبكة دولية واحدة، وهي ترتبط بالوجود الروسي في سوريا كما في دول البلقان والجوار الروسي وأوكرانيا واحدة منها، وتعاني من مشكلة الطاقة كواحدة من أزماتها المدرجة على جدول أعمالها. هذا عدا عن دعمها التاريخي للاوكرانيين الذين لم ولن ينسوا وجود ديبلوماسية اميركية في موقعها، نزلت الى ساحة الميدان في كييف في العام 2014، لتوزع الماء والطعام على المتظاهرين دعماً للسياسات الرافضة الهيمنة الروسية، قبيل ضم “جزيرة القرم” اليها، في اعتبارها إحدى الهبات الروسية لاوكرانيا التي وُضعت “أمانة” في عهدة الدولة الاوكرانية مطلع النصف الثاني من القرن الماضي.

 

وإن واصل الزوار قراءتهم لـ “الزيارة النولاندية” لبيروت، فإنّه يقتضي التوقف عند تركيبة الوفد المرافق الذي يضمّ كلاً من نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط والتواصل مع سوريا ايثان غولدريتش ونائب مساعد وزير الخزانة للشؤون الدولية ايريك ماير، وهما من المعنيين بملفات العقوبات الاميركية التي جعلت موسكو ودمشق على لائحة واحدة، فكانا من أعضاء الوفد قياساً على ما تنوي طرحه من ملفات في زيارتيها لموسكو وبيروت. فبرامج العقوبات حاضرة في العلاقات مع الدولتين، ولبنان الذي أُعفي من جزء من عقوبات “قانون قيصر” في قطاع الطاقة من الغاز المصري الى الطاقة الكهربائية الاردنية، جعلته حاضراً ليس في برامج المفاوضات فحسب انما في قلب الزيارة، ولمجرد عدم قدرتها على زيارة دمشق كما كان يجري سابقاً، بعدما انقلبت الصورة وباتت بيروت “العاصمة البديلة” للموفدين الاميركيين والدوليين للبحث في الملفات السورية.

 

وفي الدلالات الإضافية لضمّ غولدريتش وماير الى الوفد، للترابط القائم بين وزارتي الخارجية والخزانة الأميركية في برامج العقوبات عند البحث في ملفات ترتبط بلبنان وسوريا كما روسيا وايران. فالديبلوماسية الأميركية الجديدة التي اعتمدها بلينكن فصلت بين مهمات الموفد الخاص الى سوريا ومن يتولّى الملف بصورة أشمل، فاختار غولدريتش كديبلوماسي ينتمي الى وزارة الخارجية وله خبرة في التعاطي مع وزارة الدفاع، ليصبح الملف السوري بجوانبه المختلفة سياسياً تابعاً للخارجية، وعسكرياً يُدار من البنتاغون، وأمنياً يُتابع من وكالة المخابرات المركزية (CIA)، وقانونياً عندما يتصل بالمختطفين الأميركيين وقضايا الإرهاب، يُتابع من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).

 

وبالإضافة الى هذه الملاحظات، توقف الزوار أمام استبعاد هوكشتاين من الوفد بعد تعيينه رئيساً للوفد الاميركي الذي سيرعى كوسيط مسهّل مفاوضات ترسيم الحدود، تزامناً مع الكشف عن مهمة مستقلة لهوكشتاين في لبنان، تبدأ في الـ20 من الجاري تاريخ وصوله الى بيروت، لإعطاء الملف صفة مستقلة عن اي ملفات اخرى. وفي انتظار ان تكون الحكومة اللبنانية قد اتخذت موقفاً نهائياً وموحّداً من موضوع الترسيم، إن كان ذلك ممكناً حتى ذلك التاريخ.