على شططها المألوف ماكينة الممانعة، في السياسة والإعلام والميدان، فهي تضيف إلى حقيقة حملها البوصلة بالمقلوب، خفّة تزويريّة لا تليق في كل حال، سوى بأصحابها.
والارتكاب مزدوج في الشكل والمضمون: تصرّ على إشاعة خبرية «إنتصار» محورها في سياق إكمال طريق ربط طهران بشواطئ البحر المتوسط، ولا تلاحظ المطبّات والحفر والأفخاخ والحرائق والعوائق المنتشرة على ذلك الطريق.. مثلما لا تلاحظ في الأساس أن الادعاءات الانتصارية في موضع النكبات والفتن «الأهلية» و«المذهبية»، تُدين منظومة قيم أصحابها وتدمغها بالانحطاط! خصوصاً، وخصوصاً جداً، إذا تأكّد يوماً تلوَ يوم، وغارة تلوَ غارة، أنّ هؤلاء ينحنون أمام الأقوى! ويستأسدون أمام الأضعف! ويختالون بعريهم الأخلاقي هذا!
وحديث «الانتصارات» في كل حال، لا يخرج عن سياقات التزوير. ولا عن آلية منهجية تعتمد التعبئة العنوانية المستدامة لـِ«إقناع» أصحابها قبل غيرهم، بما ليس صحيحاً ولا منجزاً… كأن يتعامى هؤلاء مجدداً عن تفاصيل حقيقة انهزامهم في سوريا قبل وصول «عاصفة السوخوي» الروسية! وعن حقيقة تحوّل مشروعهم الانقلابي في اليمن إلى كارثة على اليمنيين وعلى أدوات ذلك المشروع تحديداً، وأن يتدرّج الشعار النزالي والقتالي للجماعة الحوثية من «الموت لإسرائيل ولأميركا» ولأهل الخليج العربي، إلى «الموت» للشركاء في الانقلاب! وأن يصير المخلوع علي عبدالله صالح شيئاً شبيهاً بالشيطان المطلوب لعنه وحرقه لكفّ شرّه!
.. وأن يتعامى هؤلاء «المنتصرون» بعد ذلك، عن حقيقة تفلّت العراقيين، شيعة وسنّة وأكراداً، من ادعاءات إصطفافهم في لائحة الأقوام المحظوظة بوصول إشعاعات «التنوير» الإيراني إليها! وذهاب هؤلاء بمجملهم إلى التبرّم التام والفعلي والملموس، من سياسات إيران وطموحاتها و«ثورتها» و«حرّاسها» ثم أن يتعامى صنّاع ومروّجو أناشيد «الانتصارات» والإنجازات عن حقيقة تكسّر كل محاولات المسّ بالأمن القومي الخليجي العربي، من البحرين إلى السعودية إلى الإمارات والكويت، وارتدادها أمام كل حائط صدّ جرّبت نطحه!
ثم أن يتعامى هؤلاء عن حقيقة اصطدامهم بمناعة آسرة أظهرها ويظهرها معظم اللبنانيين إزاء محاولات تحطيم دولتهم ودستورهم وعاديات عيشهم وحرياتهم.. بل أن يصل القنوط والتوجّس وطرح الأسئلة «الصعبة» عن ماهية كل ذلك الأداء الذي تعتمده إيران وحزبها في لبنان، إلى جهور ذلك الحزب نفسه! وإلى إشهاره علامات قلق كبير، من محاولة تبليعه «انتصاراً» آخر، شبيهاً بذلك الذي «بلعه» في حرب العام 2006! وربما أكثر «إلهية»!
.. ثمّ أن يتعامى أصحاب أنشودة «إنتصار» محورهم «الممانع» عن بعض «التفاصيل الهامشية» المصاحبة للغارة الإسرائيلية الأخيرة على الريف الحموي.. مثل ترسّخ خواء الرهان على المظلّة الروسية في وجه الإسرائيليين! ثم خواء الرهان على «صمود» «الاتفاق الأميركي – الروسي في وجه محاولات هؤلاء الصهاينة» لنخره وتخطيه!
.. وقبل ذلك وبعده وفوقه وتحته، الإمعان في «الهدوء المقدس» من قبلهم بعد كل «اعتداء غاشم» عليهم من قبل طيران العدو! وصولاً إلى عدم إعلان أي خبر! أو موقف!.. أو حتى توزيع أي شريط فيديو من إنتاج «الإعلام الحربي» عن تلك الواقعات الكبيرات والخطيرات!
.. حتى أحمد سعيد، كان ليخجل من حديث «الانتصارات» هذا!