IMLebanon

“انتصار الحزب” برعاية الوصاية الإسرائيلية

 

حوّل بلدات الجنوب الأمامية إلى “رقعة مقاولات” للتدمير

 

من الطيّونة إلى بوابة الجنوب (صيدا) ومن بعدها إلى القرى الحدودية، ليس الدمار والأبنية المُتكسّرة ما يجذب الانتباه فقط، بل الشعارات وإعلانات “الانتصار” التي رفعتها “المقاومة الإسلامية في لبنان” على جانبي الطريق. اقتباسات وكلمات تشي بأن العبور نحو القدس متاحٌ، فالمسافة من مدخل صيدا إلى “المدينة المقدّسة” (وفق إحدى لوحات البلدية)، تبلغ 199 كم.

 

“كسرنا جبروتهم”، “بإيمانكم انتصرنا”، “بصبركم وبصيرتكم انتصرنا”، “ولّى زمن الهزائم جاء نصرالله”… بهذه “البوستات” وغيرها، المُعلّقة فوق منصّات “متلازمة الإنكار”، يسعى “حزب اللّه” إلى حجب ما حمله “الطوفان” من هزائم وخراب. ووسط هذا “الجيش” الغفير من الصور و “البانويات” المتراصفة، لشدّ عصب جماهيره، تخرقه عبارة كبيرة منصوبة فوق “أوتوستراد” السيّد موسى الصدر الذي يربط قضاءي الزهراني وصور، ترحّب بالجنوبيين وزوّارهم، موقّعة باسم حركة “أمل”: “أهلاً وسهلاً بكم في جنوب الأمين نبيه برّي”. أما الخطّ الممتدّ من صور، برج الشمالي، عين بعال، حانويه، قانا، صدّيقين وصولاً إلى كفرا التي شهدت تدميراً كبيراً، فالأوضاع الأمنية فيه شبه مستقرّة. لكنّ حركة السكان والمرور أقل من عادية، علماً أن هذه المنطقة خارج التحذير الإسرائيلي. واللافت في هذا الإطار، هو انتشار أعلام “أمل”، فيما تظهر رايات “الحزب” خجولة. حتّى يحيى السنوار، الذي مزّق “محور الممانعة” بقراره “الطوفانيّ”، لم تسلم صورته الكبيرة عند طريق البصّ – صور، إذ أقدم مجهولون “معلومون” على شقّها والعبث بها.

 

 

“انتصارات” جعلت الحزام الحدودي حتى عمق 8 كم، أشبه بميدان خاضع لشركة مقاولات إسرائيلية. بمعنى أنّ “جيش العدوّ المهزوم” وكما يقال بـ “البلدي” يشتغل “ع الرايق”. إذ سمح له اتفاق وقف النار استكمال ما بدأه خلال عمليته العسكرية البريّة. من القطاع الغربي إلى الشرقي، تحوّلت تلك القرى إلى ورشة عملٍ للقوات الإسرائيلية. آليات وجرّافات عسكرية تُهدّم ما تبقّى من منازل ومنشآت. تخطّى حجم الدمار في الناقورة الـ 70%، علماً أن النسبة الكبرى من الجرف سُجّلت بعد وقف إطلاق النّار وليس قبله. أيضاً، أقام الجيش الإسرائيلي في الأيام الماضية حاجزاً عسكريّاً عند مفرق البلدة وبمحاذاة المقرّ العام لقيادة القوّات الدولية (اليونيفيل)، كما رفع علم دولته على تلة في منطقة إسكندرونا المشرفة على الساحل الممتدّ من الناقورة حتى صور. ودخل أمس وادي الحجير ذات الرمزية التاريخية والوجدانية لدى شيعة جبل عامل، والعسكريّة لـ “حزب اللّه”.

 

 

بعدما كانت بلدات قضاء بنت جبيل وقراها تعجّ بالحياة وتشهد استثمارات ونهضة عمرانية وتجارية، بدت أشبه بمستطيل طويلٍ فارغٍ ومظلمٍ. وحدها أضواء المنازل في رميش، دبل وعين إبل (في القطاع الأوسط) والقليعة وجديدة مرجعيون وقرى حاصبيا (في القطاع الشرقي) تُضيء ليل الجنوب الكالح. فما إن يحلّ الظلام، حتى يخيّم الصمت الرهيب فوق تلك الناحية. وتبدّدها بين الحين والآخر، أصوات القذائف المدفعية والرشقات النارية التي تطول ما تبقّى من بنى تحتية في بعض البلدات، كالضهيرة ويارين ومروحين وحانين ويارون وعيترون. كما أنشأ الجيش الإسرائيلي سواتر ترابية ونقاطاً عسكرية عند مداخل البلدات المشمولة بتحذيرات أفيخاي أدرعي كمثلّت القوزح – عيتا الشعب – رامية. وأقفل طريق مدينة بنت جبيل – مارون الراس بالمكعّبات الأسمنتية، ما يحول دون دخول الآليات والسيارات باتجاه بلدة مارون.

 

 

عودة الأهالي ممنوعة حتّى لو كانت بهدف تفقّد منازلهم أو لمعرفة مصير أولادهم الذين كانوا يقاتلون عند “الحافة الأمامية” (وفق تعبير الشيخ نعيم قاسم). هل أُسروا؟ أم قُتلوا؟ ماذا عن الجرحى الذين لم يتمكّنوا من المغادرة. أسئلة مخيفة وأليمة، أجوبتها عند الإسرائيلي المتحكّم بكلّ شيء. وتجدر الإشارة وفق شهود عيان، إلى أن العديد من مقاتلي “الحزب” انسحبوا من جبهات المواجهة بعد رمي أسلحتهم واستبدال زيّهم العسكري بلباس مدنيّ، أكان ذلك قبل سريان اتفاق الهدنة أم بعده

 

 

 

في الختام، ونتيجة دخوله الحرب، وَضَعَ “الحزب المنتصر” منطقته العميقة، تحت الوصاية الإسرائيلية المباشرة. تحوّل”فائض القوّة” عنده إلى ضعفٍ، مُحمّلاً الجنوبيين أثمان رهاناته الخاطئة رغم مكابرته. لكن الحقيقة الملموسة (على عكس الاستحضارات الغيبية)، تبقى أنه في ذروة عهده، تهجّر الجنوب، وهو التهجير الأكبر والأسوأ في تاريخه. وسقطت معه كلّ مفردات الردع وتوازن الرعب. وإذا كانت “علامات الظفر” تهلّل فوق الطرقات وترنّ في الخطابات السياسية، فالميدان الذي لطالما ركن إليه “حزب اللّه” فضح زيف الانتصارات.