IMLebanon

انتصار محور الممانعة في رئاسة الجمهورية «يستنسخ» في الحكومة

تستدعي التطوّرات في حلب باتجاهها الحازم والجازم نحو الحسم الميدانيّ، من الأفرقاء السياسيين اللبنانيين أحزابًا ونخبًا وأقطابًا التوقف عندها وتحليل معانيها وأبعادها وما يمكن أن تظهره من نتائج لن تكون محصورة بالداخل السوريّ، بل على العكس ستشمل النتائج بتفاصيلها ومعاييرها المنطقة كلّها بالتأثير المباشر وغير المباشر، وبخاصّة في إنضاج وإنتاج تسويات سياسية تعني خصوصياتها النظامية والطوائفيّة، إمّا بالتعديل أو التبديل، وإمّا بتكوين جذريّ لنظام سياسيّ هنا تتجسّد فيه قيم المشاركة الحقيقيّة بين الطوائف والأحزاب، وفقًا للنتائج وليس وفقًا لأمور أخرى.

يغيب عن بال كثيرين أنّ التطوّر النوعيّ في المعركة الحاسمة وقد بدأت الدولة السورية تستعيد الأحياء الشرقية وما إليها، مؤشّر واضح برسوخ معادلات كان بعضهم في لبنان وفي بعض الدول المحيطة قد تنكّر لها واستنكر استمراريتها، أو قبل بها على مضض، وبعضهم الآخر تماهى معها جذوريًّا حتى التوحّد وبلا انفصال او انفصام.

وقبل تفنيد تلك المعادلات، تجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين أبلغ معظم السفراء في روسيا، وعددًا ممن راجعوه حول إمكانية إيجاد هدنة في حلب وجوارها، بأنّ روسيا اكتشفت أنّ مفهوم الهدنة المطروح من قبل الإدارة الأميركيّة والأمم المتحدة كان مجرّد مثلبة وفخّ نصب للروس وللجيش السوريّ، من أجل تمرير السلاح إلى «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، وحين قبل الروس بالهدنة فإنما لسبب إنسانيّ وليس لأسباب أخرى تمعن في استمرار الحرب بمفهوم منقلب، وتؤكّد مصادر دبلوماسيّة، أنّ الأميركيين في كلّ تواصلهم مع الروس في مسألة الحرب في سوريا إنما رسّخوا مفهومًا مختلفًا وهو حرب الإرهاب على روسيا وسوريا وإيران ضمن المدى المشرقيّ، وثبت في المرحلة الانتقالية ما بين إدارة أوباما وإدارة ترامب، أنّ الإدارة الحالية تسعى قبل رحيلها لإحداث انقلاب نوعيّ في معنى الحرب في دائرة حلب ومحيطها، فشجعت السعوديين والقطريين، والقطريون تواصلوا مع الأتراك من أجل تسليح وتمويل تلك التنظيمات ودعمها في المرحلة الفاصلة ما بين التسلم والتسليم، لعلّ الدعم المتكامل يؤدي إلى تغيير نوعيّ أقلّه بالحفاظ على ماء الوجه وفرض ستاتيكو جديد في ماهية الصراع ومعناه.

لكنّ الرياح تجري بما لا تشتهي السفن. لقد ذاق الروس تلك المثالب بشكلها المضمر أحيانًا والفاضح أحيانًا كثيرة. فقرّروا المضيّ بالمعركة حتى خواتيمها ضمن استراتيجيّة منتظمة بقوالب محكمة، تجعلهم القادرين على فرض أوراقهم في لحظة ولادة التسوية المتصاعدة من قلب الميدان الحلبيّ والسوريّ بصورة عامّة بمعنى أنّ الأوراق السعوديّة والقطريّة والتركيّة قد احترقت تؤكد المصادر، منذ بدء الحسم في مناطق عديدة وها هي تحترق من جديد في حلب ومحيطها، وفي اليمن اضطرت للتفاهم غير المباشر مع الإيرانيين فنتجت حكومة يمنية جديدة قامت على اساس المناصفة ما بين من هم يوالون إيران ويوالون السعوديّة، في حين انها في اليمن شاءت استهلاك اللعبة بصورة آحادية فاقعة.

احتراق الأوراق في اللحظة الحلبيّة الجديدة، المتقدّمة بأبعادها والمنسابة بنتائجها، هو المنطلق الجوهريّ لإرساء المعادلات الجديدة ضمن دائرة المنطقة بأسرها. وتكشف بعض المعطيات وبحسب مصادر متابعة أنّ انطلاقة التسوية في لبنان عبر رئاسة الجمهوريّة وتتويجها بانتخاب العماد ميشال عون رئيسًا بداءة لحظة لم تنحصر في لبنان فقط بل بدأت تتوسّع نحو اليمن بحكومة جديدة ألفت، وقبل بها الحوثيون كما قبل بها من يدينون بالولاء لأبي عبد ربه. يكشف متابعون هنا، عن أنّ تسريع الخطى باتجاه انتخاب رئيس للجمهوريّة في لبنان وتأليف حكومة في اليمن جاء من باب الاستلحاق السعوديّ، والاستلحاق شكلاً ومضمونًا ولد بعد قراءة استباقية لمجريات الأحداث والتبدلات في السياسة الأميركية والموقف الروسيّ، وانعكاس كلّ ذلك على مجريات الأحداث والتطورات، وتأثير كلّ ذلك على أدوار الدول العربيّة والإقليمية في اندراجها المتورّط بالأحداث ضمن مساحة الإقليم المتوتّر والملتهب.

على المستوى الداخليّ فإنّ المعادلات بدأت تترسّم على النحو التالي:

1- إستدراك سعوديّ واضح: تقول بعض المعلومات الواردة من خلف الصراع، ان السعوديين الذين ساروا بالآفاق ـ التسووية في لبنان واليمن، يحاولون في لبنان وكنتيجة للمعارك السوريّة استمالة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون نحو فتح علاقات طيبة مع المملكة، وقد جاء كلّ ذلك من باب تسهيل مهمته كرئيس للجمهوريّة، والإفراج المتعمّد عن المليارات الثلاثة للجيش اللبنانيّ، بظنّ واضح أنّ هذا الأسلوب سيرسّخ الدور السعوديّ من جديد في التفاصيل اللبنانية ومفرداتها، ويظلّ لبنان مطلاًّ ونافذة لهم باستمرار تكريس دورهم كحماة للسنة في لبنان فيسهم تموضعهم من جديد كحماة لهم في المشرق العربيّ. وفي المعطيات، إنّ هذا نما من خطة مدروسة ساهم بها رئيس القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع ورحّب بها الرئيس سعد الحريري، وخشي منها الرئيس نبيه برّي ليس بسبب «قربه» من أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، بل بسبب افتقاده لهذا الغطاء بالذات وكان سيتقاسمه مع النائب وليد جنبلاط والرئيس فؤاد السنيورة. من يعرف العماد ميشال عون عن كثب يميل حتمًا نحو هذا الاعتبار بأنّ العماد عون ران نحو إرساء اطيب العلاقات مع المملكة العربيّة السعوديّة، ولكنّها لن تكون على حساب ثوابته الجوهريّة وقد أعلن عنها في خطاب القسم الأخير وأكّد عليها في حديثه مع السيد نصرالله الأخير. عند العماد عون الثوابت تبقى مقدّسة حتى الرمق الأخير.

2- تصليب دور حزب الله: لقد بدأ تصليب دور حزب الله ورسوخه في الأرض اللبنانيّة بدءًا من معركة القصير، وفيها أظهر بسالة هائلة. فبعد القصير وتوغّله في معركة القلمون رسّخ الحزب المعادلة الجوهريّة بانّه ليس حزبًا محليًّا بل ذو بعد عربيّ ومشرقيّ وإقليميّ، وهو ضرورة استراتيجيّة ضامنة لأمن المكونات اللبنانية. وقد شكّل مع الجيش اللبنانيّ رافعة واضحة لتمتين تلك الاستراتيجية كما رسخها في سوريا مع الجيش العربيّ السوريّ. وما من شكّ بان انتصاره على إسرائيل بدء البداءات كلّها. في ظلّ انسياب هذا السياق، فهم الحزب الذي تربطه بالعماد ميشال عون علاقة أصيلة مبنية على أخلاق عالية، بأنّ لحظة التبنّي لترشيحه لرئاسة الجمهوريّة هي اللحظة الاستراتيجية المنعكسة من نتائج المعارك في سوريا، ويكفي أنّه المشرقيّ المنفتح بودّ وكرامة على سوريا والمحب لشعبها، والمتبنّي لمفهوم الحرب الاستباقيّة. اللحظة الاستراتيجيّة اكتملت عناصرها بتلازم انتخاب العماد عون مع مناخين كبيرين استوعبهما حزب الله بفهم كبير وامتصاص بليغ:

-المناخ الأوّل: الانتخابات الأميركيّة: لقد فرضت الانتخابات الرئاسية الأميركية بنتائجها مرحلة جديدة عبّر عنها دونالد ترامب بوضوح حين قال على المستوى السوريّ، طالما الرئيس بشار الأسد يكافح ويحارب الإرهاب فنحن معه. ترامب تبنى أطروحة القضاء الجذريّ على الإرهاب بعكس إدارة أوباما الضبابية الوجه وهي صاحبة نظرية الحرب الإستثمارية على الإرهاب. حزب الله في الأساس لم يتوقف عند المفهوم الأوّل على الرغم من أنّ الإدارة المقبلة على انتهاء ولايتها حاولت أن تحدث في بنيته الندوب والجراح. تصدّى الحزب للرؤية الأميركية وأكمل شوطه في سوريا ولبنان. وتظهر بعض المعطيات بأنّ انتخاب ترامب سيفسح في المجال للمحور هذا بأن تتيسر أموره وبالتالي سيسمح للعماد عون بأن يغرس هالته المضيئة ليس في لبنان فقط بل في المشرق العربيّ. حزب الله هنا، يعتبر قراءته بفعل الانتخابات الأميركية ناجزة ومنتصرة، لا سيما بتمحورها في فلسفة الحرب الذروية على الإرهاب، ويعتبر في الوقت ذاته أنّ مشرقية عون ستكون الوعاء الأساسيّ لتثبيت الثنائيّة المسيحيّ – الشيعيّة البازغة في ورقة التفاهم، ليس على المستوى اللبنانيّ بل في سوريا أيضًا. ويرى الحزب أنّ هذه المسألة لن تكون على حساب الشيعة، بل سيجد السنّة أنفسهم معنيين بها، وبالتحديد الحريري. وتقول المصادر أنّ سرّ نجاح التسوية اللبنانيّة بعمقه سببه حزب الله على وجه التحديد، وبخاصة وصول الحريري، وله مصلحة بذلك، والرئيس يعرف ذلك. تعتقد تلك المصادر أن الحريري سيجد نفسه بفعل نتائج الحرب في حلب وسوريا ضمن تلك الرؤية المبنية من الثنائيّ الروسيّ-الإيرانيّ، وقوامها في لبنان ومنه حزب الله والتيار الوطنيّ الحرّ.

– المناخ الثاني: انتصار محور الممانعة: تعتبر المصادر أنّ انتصار المحور هذا سيكون له التأثير البليغ من سوريا إلى لبنان. لقد فعل فعله في رئاسة الجمهوريّة، ومن الطبيعيّ بدوره أن يفعل فعله في تأليف الحكومة. وتنصح تلك المصادر المعرقلين لتأليف الحكومة بعدم الذهاب بعيدًا في العرقلة، فلن يكون هذا الأمر لمصلحتهم. وتتجه الأنظار إلى بعض التفاصيل المكونة لهذه العرقلة معتبرة أنّها معبرة عن مصالح استثمارية في النفط وليس عن رؤى استراتيجيّة. السؤال المطروح، أين تكمن القوات اللبنانيّة في نتائج الحرب في سوريا؟ تعتبر المصادر عينها أنّ ما تحتاجه القوات كما تيار المستقبل الجديد بمكتبه السياسيّ ونخبه بأن ينطلقوا من قراءة نقدية لكلّ مسار الصراع في سوريا، لتكتشف القوات على وجه التحديد انّ هامش المناورات الداخلية المستندة إلى مواقف متكرّرة حول النظام في سوريا وسلاح الحزب، بات ضيّقًا للغاية، وتكرار المواقف عينها، لم يعد يجدي نفعًا، فليس لها مكان في الاصطفاف الجديد المنطلق من النتائج الواضحة. وتستغرب المصادر تشدّد الرئيس نبيه برّي في الوقوف بوجه التأليف والنتائج هي لصالح المحور المنتصر في معركة حلب. لذلك تعتبر بعض الأوساط أنّ حزب الله سيكون له الدور الحاسم مع رئيس الجمهوريّة في تسهيل التأليف وفقًا لقاعدة التوازن.