يساعد الخطاب الذي القاه السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ«حزب الله« في مناسبة الذكرى التاسعة لحرب صيف العام 2006، التي يسميها «الإنتصار الالهي«، في فهم أمور كثيرة.
في مقدّم هذه الأمور أن الحزب الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري« يعتبر الإنتصار على لبنان بديلا من الإنتصار على اسرائيل. لم يكن من هدف للحزب يوما سوى الإنتصار على لبنان واللبنانيين، وصولا إلى ما نحن عليه الآن، أي الإنتقال إلى مرحلة الإنتصار على سوريا والسوريين أيضا.
ما يؤكد ذلك أن الحزب افتعل، بطلب ايراني، حرب صيف 2006 التي لم يكن لديها من هدف سوى تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري من جهة، ومساعدة اسرائيل في تدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية وتهجير اكبر عدد ممكن من اللبنانيين من جهة أخرى. مطلوب نشر البؤس في لبنان لإحكام السيطرة عليه وتحويله مستعمرة ايرانية بعد خروجه من الوصاية السورية.
عندما وجد نصرالله أن الحرب المفتعلة مع اسرائيل ليست كافية لكسر عزيمة اللبنانيين المؤمنين بثقافة الحياة، لجأ إلى الإعتصام في وسط بيروت بغية ضرب ما بقي من الإقتصاد اللبناني استكمالا للعدوان الإسرائيلي.
لا تزال بيروت تعاني إلى اليوم من آثار حرب صيف 2006 ومن هذا الإعتصام الذي استمرّ ما يزيد على سنة وساهم في جعل مؤسسات كثيرة تغلق ابوابها وفي تهجير عشرات الآلاف من الشبان اللبنانيين إلى الخارج، خصوصا إلى الدول العربية في الخليج. ما لا يمكن تجاهله أن النائب المسيحي ميشال عون كان شريكا في الإعتصام ولعب، على عادته، الدور المطلوب منه في مجال ضرب الإقتصاد اللبناني وتهجير العدد الأكبر من المسيحيين من لبنان. لذلك نجد نصرالله يكافئه في خطابه، مشدّدا على أن عون «ممر« إلى رئاسة الجمهورية وأنّه لن يتخلّى عنه.
اراد نصرالله مرّة أخرى تسويق هزيمة، ليس بعدها هزيمة، والخروج بنظريات عسكرية جديدة، واقناع اللبنانيين بأنّ ما حصل كان إنتصارا. إذا كانت حرب صيف 2006 انتصارا، كيف تكون عندئذ الهزائم؟ بلد كان فيه مليون سائح، فصار فيه مليون نازح. هل يمكن اعتبار ذلك انتصارا بأيّ شكل؟
الجانب الإيجابي الوحيد في كل هذا المسلسل المستمرّ منذ العام 2005، تاريخ ارتكاب جريمة اغتيال الحريري، هو القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. عزّز القرار القوة الدولية الموقتة المرابطة في جنوب لبنان منذ العام 1978. ما لا مفرّ من الإعتراف به أن الجنوب اللبناني لم ينعم بفترة طويلة من الهدوء، كما نعم بذلك بين 2006 و 2015 . هذه حقيقة لا يمكن تجاوزها بأيّ شكل، وهي تعني أوّل ما تعني أن جنوب لبنان كان المستفيد الأوّل من حرب صيف العام 2006… في حين أنّ الخاسر الأوّل كان لبنان ككلّ وجميع اللبنانيين الذين صار عليهم مواجهة سلاح «حزب الله« الميليشيوي والمذهبي بصدورهم العارية.
لم تكن من فائدة لحرب صيف 2006. لم يكن هناك انتصار الهي أو غير الهي. كلّ ما في الأمر، ان لبنان كان في غنى عن مثل هذا النوع من المغامرات، خصوصا أنّه كان في الإمكان المحافظة على الهدوء في الجنوب من دون الحاجة إلى القرار 1701، لو امتلك «حزب الله« والذين يسيرونه الحدّ الأدنى من الحس الوطني والمسؤولية. ولكن ما العمل عندما تكون هناك حاجة ايرانية ماسة إلى ضرب الشراكة الوطنية وتعطيل الحياة السياسية والإقتصادية من أجل تغطية جريمة معروف من نفّذها ومعروف من حرّض عليها… ومن أجل امتلاك ورقة في المفاوضات مع الولايات المتحدة ؟
كانت لـ«الإنتصار الإلهي« وظيفة أخرى، اضافة إلى تأكيد أن الإنتصار على لبنان، بما في ذلك تغطية جريمة التخلّص من رفيق الحريري. تتمثل هذه الوظيفة في تجاوز الحزب لدوره اللبناني.
نجده الآن في سوريا وفي اليمن والبحرين والكويت، كذلك في العراق.
رفع حسن نصرالله صوته عاليا في وجه اللبنانيين، كذلك رفع اصبعه. وجّه إليهم تهديدات مباشرة مؤكدا أنّه لن يتخلّى عن ادواته المحلية، ولا يمكن أن يفعل ذلك. في الواقع، كان الصوت العالي والنبرة الحادة للرجل دليلا على مدى عمق الأزمة التي يواجهها الحزب على كلّ صعيد، خصوصا في سوريا.
لا أفق من أي نوع للمغامرة السورية والتي لا تستند سوى إلى الرابط المذهبي بموجب المواصفات الإيرانية. في النهاية، ما يختزل ازمة «حزب الله« أن ايران تصالحت مع «الشيطان الأكبر« بمواكبة من «الشيطان الأصغر«، فيما لا يزال الأمين العام للحزب يتحدّث عن مواجهة مع المشروع الأميركي الذي يريد تقسيم المنطقة.
فات حسن نصرالله أن تقسيم المنطقة مشروع ايراني لا تعترض عليه اسرائيل. ما سرّ ذلك الإصرار على «تطهير« الزبداني من أهلها؟ اليسوا سوريين…أم يكفي، بالنسبة إلى نصرالله، أن لا يكون السوري علويا حتّى لا يعود سوريا؟
ما سرّ السكوت على المجزرة الأخيرة التي ارتكبها نظام بشّار الأسد في دوما القريبة من دمشق. هل من دليل ابشع من هذا الدليل على طبيعة دور «حزب الله« في لبنان وسوريا، أي دور تغطية الجرائم، كل انواع الجرائم في حقّ اللبنانيين والسوريين؟