إثارة موضوع الحرب المذهبية بين السنّة والشيعة في العالمين العربي والإسلامي في “الموقف” يوم أمس الاثنين، تعليقاً على ما قاله الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في خطابه العاشورائي قبل الأخير، لم يكن هدفها مناقضته ومشاكسته. بل كان الإشارة إلى أن تجاهل مشكلة خطيرة قائمة بإلقاء الضوء على مشكلة أخرى خطيرة بدورها لا يساعد على إيجاد حلول للوضع اللبناني المأزوم الواقف على شفير الانفجارات والاصطدامات المتنقلة. ففي الخطاب نفسه قال “السيد”، وكان محقاً، إن طريقة إحياء ذكرى عاشوراء تجعل الإنسان يعتقد أن المجزرة التي نُفِّذت في كربلاء حصلت بالأمس. ويدل هذا القول على أن الشعور بالمظلومية عند الشيعة مستمر وقد تعاظم كثيراً أخيراً، وهل كان هذا الشعور ليتعاظم لو لم يكن الشيعة على اقتناع بأنهم يخوضون اليوم معركة مشابهة لكربلاء لكن مع اختلاف واضح في موازين القوى؟ فقبل 1350 سنة كان الميزان طابشاً لأعداء حفيد رسول الله. لكنه اليوم طابش لانصاره. كما كان الهدف لفت مؤيدي السيد نصرالله وحزبه وحليفيه الاقليميَّيْن إلى اقتناع أخصامهم بأنه وإياهم حاولوا ومنذ بدء تحوُّل الثورة السورية حرباً أهلية – مذهبية جعل الصراع في لبنان سنّياً – سنّياً، ذلك أن الصراع السنّي – الشيعي قد يطلق حرباً أهلية لا مصلحة لهم فيها وإن حققوا فيها نجاحاً جزئياً أو شاملاً. لكنهم لم ينجحوا في ذلك لأن “سنَّتهم”، إذا جاز التعبير، لم يمتلكوا القاعدة الشعبية الواسعة التي بواسطتها يمكن أن يجمِّدوا قاعدة الزعامات السنّية المعادية لهم، وأن يؤسسوا وضعاً سلمياً في البلاد ومسلّماً في الوقت نفسه بالدور الأول لـ”حزب الله” وحلفائه في الأمن والسياسة في لبنان.
في أي حال، ليس القصد من ذلك كله تحميل “الحزب” وحلفائه وحدهم مسؤولية استشراء المذهبية في لبنان، وتحوّلها خطراً يهدد، في حال احتدامها، بحرب أهلية تعرّض شعوبه كلها لأخطار شديدة. فالسنّة اللبنانيون يشاركونهم المسؤولية، وخصوصاً بعدما أدى الحقد المذهبي والمصالح الاقليمية والدولية إلى “تفريخ” تنظيمات متشددة تكفيرية وعنفية سنّية تعتبر أن القضاء على “الروافض” أي الشيعة يبقى الهدف الأول لها. علماً أن الإنصاف يقتضي الإشارة هنا إلى أن نظام الأسد كان سبّاقاً في محاولة جعل الصراع في لبنان سنّياً – سنّياً، كما كان سباقاً في محاولة قمع الثائرين عليه وغالبيتهم سنّة بقسوة غير إنسانية لدفعهم إلى التحول إرهابيين وسنّة متعصبين، وتالياً لإقناع العالم بأنهم خطر عليه ولدفعه إلى التعاون معه (أي النظام السوري) لمواجهة الإرهاب. وإذا كانت المحاولة الأولى فشلت فإن الثانية نجحت وهي تكاد أن تشمل بنقمتها لبنان. وطبعاً الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تكن بعيدة عن ذلك كثيراً. لكنها بارعة في الحرب العسكرية مع أعدائها في المنطقة والعالم وإن بالوكالة، مثلما هي بارعة في إعطاء الانطباع بأنها واقعية وبراغماتية وراغبة في التسوية والسلام، علماً أن الأمرين صحيحان.
أخيراً رمت إثارة الموضوع نفسه إلى دعوة “الحزب” وسائر اللبنانيين إلى عدم النوم على حرير الإنجازات العسكرية اللبنانية الأخيرة، وعلى حرير مظلات دولية أو اقليمية تدعي شعوب لبنان أنها تمنعها من الذهاب إلى حرب تفجِّر البلاد وتقضي عليها.
فالمعلومات المتوافرة عن الاصطدامات المرتقبة وجغرافياتها كثيرة وخطيرة، لكن الجديد منها قد يكون أكثر خطورة وبما لا يقاس. فهي تتحدث عن انتفاضة أو ثورة للنازحين السوريين قد يواكبها مسلحون، وتستهدف ربما العاصمة بيروت أو مدناً أخرى. وليس واضحاً مَنْ يمكن أن يقف وراءها أو أن يدعمها. ويبدو أنها وصلت إلى جهات دولية بدأت تتخذ احتياطاتها.
في اختصار، أورد في نهاية هذا “الموقف” ختام “نداء” وجهه رئيس وزراء فرنسا إدوار دالادييه إلى الزعيم النازي الالماني أدولف هتلر قبل اجتياحه بولونيا هي الآتية: “إذا سال الدم الفرنسي والدم الالماني من جديد، كما حصل قبل 25 سنة، فان كلاً من شعبينا سيكافح ويقاتل مع ثقة عارمة بالنصر. لكن النصر الأكيد سيكون نصر الدمار والبربرية”.
فهل يريد معسكر إيران – نظام الأسد – “حزب الله” ومسيحييه ومعسكر السعودية مجلس التعاون الخليجي – تركيا والأردن – ربما مصر – تيار “المستقبل” في لبنان ومسيحييه نصراً لا يمكن أن يكون إلا للدمار والبربرية؟