لا يُمكن التقليل من الإرتدادات التي نجمَت من مسألة تسريب بعض المقاطع المُصوّرة لحالات تعذيب مساجين إسلاميّين في سجن رومية، حيث ضاج لبنان الرسمي بمجموعة كبيرة من السيناريوهات المُتخيّلة، والمؤامرات النظريّة، والإتهامات المتعدّدة. وكان يُمكن أن تكون إرتدادات ما حصل بحقّ بعض المساجين، أخطر بكثير، لولا إنحراف التركيز من الجانب الطائفي والمذهبي إلى جانب الخلاف السياسي والتنافس ضمن الفئة نفسها. فمع بداية التسريب، جرى إستغلال الموضوع على أنّ من يتعرّض للضرب هم مساجين من «الإسلاميّين»، ومن المذهب السنّي بالتحديد، بالتزامن مع إنتشار إشاعات مفادها أنّ إرتكابات الضرب تمّت على يد «عناصر» من «حزب الله»، بحجّة ظهور شبّان مُلتحين في «الفيديوهات» المُسرّبة، علماً أنّه في السلك العسكري الرسمي اللبناني، بمختلف فروعه، ممنوع ترك اللحى إلا بأذن خاص لدواع طبّية محدودة ونادرة جداً.
وبحسب أوساط مُطلعة، إنّ الخطأ الذي وقع فيه جزء من الرأي العام اللبناني، وبعض الصحافيّين والإعلاميّين أيضاً، تمثّل في عدم معرفتهم بأنّ العناصر التي تنتمي إلى فرع من فروع أجهزة الإستخبارات الرسميّة، ومنها عناصر فرع المعلومات بطبيعة الحال، والتي تعمل في الشارع، تُرخي لحاها عمداً لتأمين التمويه المطلوب في خلال عملها، ولتسهيل الإنخراط بالجماعات المطلوب خرقها معلوماتيّاً. وأوضحت أنّ عناصر أجهزة الإستخبارات كافة، والتي تعمل بشكل سرّي، ترتدي نفس ألبسة الجماعات المطلوب خرقها، وتتكلّم بنفس منطقها ومستواها، وتتظاهر أنّها مؤيّدة لأفكارها السياسية والدينيّة، إلخ. وذلك في إطار التمويه الضروري لكسب الثقة، أكان ضمن مجموعة من الشبّان تلتقي في ناد أو جامع أو حتى في أحد الأزقّة، إلخ. وأضافت أنّ من ظهر ملتحياً في اللقطات المُصوّرة المُسرّبة ينتمي إلى «فرع المعلومات»، أي أنّه من عناصر الإستخبارات السرّية التابعة لمديريّة قوى الأمن الداخلي. وبالتالي، لا علاقة لأي عناصر حزبيّة في الحادث، كما جرى الترويج له. ورفضت هذه الأوساط التعليق على مدى دقّة إتهام وزير العدل اللواء أشرف ريفي «حزب الله» بتسريب «فيديو» ضرب المساجين، معتبرة أنه يدخل في اطار الصراع السياسي الداخلي.
وبحسب الأوساط المُطلعة نفسها، إنّ تناقض الروايات والنظريّات والإشاعات التي ألقيت في البلد إثر تسريب «الفيديو» المشبوه، كفيل وحده بإسقاط جزء كبير من هذه الإشاعات، لأنّه من غير المنطقي أن يكون خبر ما، ونقيضه، صحيحين في الوقت نفسه! وأوضحت أنّه يُمكن إختصار أبرز السيناريوهات التي جرى تداولها بشأن الحادث، بما يلي:
– أوّلاً: خطة للإيقاع بين وزير العدل أشرف ريفي ووزير الداخلية نهاد المشنوق من قبل طرف مناهض لتيّارهما.
– ثانياً: خطّة من وزير العدل لحرق أوراق وزير الداخليّة، وللتقدّم عليه بالشعبيّة وبالنقاط داخل «تيّار المُستقبل».
– ثالثاً: خطّة لإستفزاز الشارع السنّي بمجمله لدفعه إلى القيام بأعمال شغب ضد الطوائف والمذاهب الأخرى، على أمل دفع الأمور في البلد خطوة إضافية نحو الحرب الأهليّة.
– رابعاً: خطّة لتقليب الإسلاميّين المُتشدّدين على «تيّار المُستقبل»، وإظهاره بموقع المُفرّط بحقوقهم والعاجز عن حمايتهم، والذي يُطبّق القانون والمخالفات أيضاً على السنّة دون سواهم.
– خامساً: خطّة للقضاء على خط الإعتدال في الشارع السنّي، ودفع الرأي العام في هذا المذهب إلى التطرّف والإنجراف نحو الخطاب الإسلامي المُتشدّد.
– سادساً: خطّة لضرب إنجازات «فرع المعلومات» ولقمع أفراده وترهيبهم، وبالتالي دفعهم إلى عدم القيام بدورهم الأمني في المستقبل.
– سابعاً: خطة لإظهار الإسلاميّين في سجن رومية بموقع الضحيّة، تمهيداً لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في السابق من فوضى ومن تجاوزات تضرب عرض الحائط كلاً من القانون والنظام وهيبة الدولة.
– ثامناً: خطّة لتقليب الرأي العام السنّي أكثر فأكثر على «حزب الله»، عبر إتهام عناصر مخروقة من «فرع المعلومات» بالقيام بالإعتداء وبتصويره وبتوزيعه بناء على أوامر مدروسة.
وتابعت هذه الأوساط أنّ لائحة سيناريوهات المُؤامرة التي يعشقها اللبنانيّون عُموماً لا تنتهي، لكنّ رميها في وسائل الإعلام، ومحاولة التسويق لها لا يعني أنّها حقيقيّة. وأضافت أنّه من غير المُستبعد أن يكون الأمر كلّه مُدبّر في إطار أحد الإحتمالات المذكورة أعلاه أو ربّما لسبب آخر. حتى أنّ فرضيّة أنّ الأمر عبارة عن مُجرّد تصرّف عشوائي فردي من بعض العناصر ردّاً على الإعتداءات التي تعرّضوا له مع زملائهم على يد بعض المساجين المُشاغبين غير مُستبعدة أيضاً، علماً أنّ التسريب في هذه الحال يُمكن أن يكون قد تمّ عن طريق الخطأ، أو عن طريق التباهي عبر إرسال «الفيديو» لدائرة ضيّقة من المعارف قبل خروجه عن السيطرة، أو حتى نتيجة صفقة بيع لجهة إعلاميّة لتحقيق ربح مالي. لكنّ هذه الأوساط لفتت إلى أنّ حصر معرفة ما حصل بعدد قليل من العسكريّين غير واقعي لأنّ صوراً أخرى جرى تداولها تُظهر المساجين مكشوفي الظهور، وآثار الضرب بادية على ظهورهم، ويحيط بهم العديد من رجال الأمن و«فرع المعلومات». كما لفتت من جهة أخرى إلى أنّ تركيز البعض على إدراج ما حدث في إطار صراع على منصب رئاسة الحكومة في المُستقبل هو غير دقيق أيضاً، لأنّ ظروف وصول الوزير ريفي إلى هذا الموقع في يوم من الأيّام، تختلف تماماً عن ظروف وصول الوزير المشنوق، ولا علاقة لها بأيّ شعبيّة داخل «تيّار المُستقبل» والشارع السنّي، مُذكّرة بأن تعيينهما كوزيرين في حكومة الرئيس تمام سلام من قبل «تيّار المُستقبل» كان بدوره لأهداف مختلفة. وشدّدت هذه الأوساط على أنّ التحقيقات الجدّية والفعليّة هي وحدها التي تحسم الجدل في شأن ما حدث في سجن رومية.
وأنهت الأوساط السياسيّة ملاحظاتها على ما حدث بالقول إنّ حادث تسريب المقاطع المُصوّرة بشأن ضرب مساجين في رومية، أظهر أنّ النار الطائفيّة والمذهبيّة جاهزة للإشتعال في أيّ لحظة، بمجرّد توفّر أيّ شرارة لذلك، وهذه ظاهرة تستدعي المُعالجة السريعة اليوم قبل الغد، بدلاً من صبّ الزيت على النار وزيادة الإحتقان، لتسجيل نقاط سياسية بين فريق سياسي على آخر وحتى بين الفريق السياسي نفسه! وأضافت هذه الأوساط أنّ الأخطر من كل ذلك، أنّ الحادث أظهر أنّ الشارع السنّي العريض يعتبر أنّ التعرّض للإسلاميّين المُتشدّدين حتى المسجونين منهم، هو بمثابة التعرّض لأهل السنّة أجمعين، في دليل إضافي على تحوّل مُتصاعد لكثير من اللبنانيّين السُنّة من خط الإعتدال نحو خط التشدّد، وهنا مكمن الخطر الفعلي، وليس تنافس الوزيرين ريفي والمشنوق داخل «التيّار الأزرق»، ختمت هذه الأوساط.