أمران يعوّل عليهما الداخل اللبناني كبابٍ للحلّ المرجو: الانتخابات النيابية ودعم المجتمع الدولي، من خلال مفتاح صندوق النقد الدولي. إلّا أنّ هذين الأمرين لن يأتيا بالحلّ المنشود، بحسب جهات عدة، إذ إنّ العمليات الحسابية تدلّ الى أنّ الانتخابات إذا حصلت لن تفرز تغييراً كبيراً وانقلاباً على المستويين السياسي والمؤسساتي، ولن تنتج طبقة سياسية جديدة، بل ستشهد بعض الاختراقات مع خسارات لأفرقاء من المنظومة الحالية مقابل مقاعد إضافية لقسم آخر من هذه المنظومة. كذلك، إنّ الخارج يهمّه عدم انهيار لبنان لكي لا تتأثر مصالحه، لكنّه لا يعمل لازدهار البلد، ولا يُمكن الانتظار منه أكثر من ذلك.
الخارج قام بكلّ ما يستطيع فعله، لكنّ الداخل غير حاضر لحلّ، والاتفاق مع صندوق النقد يتطلّب تفاهماً على إصلاحات مرتبطة بملفات قديمة تشكّل فضيحة لبعض السياسيين في قطاعات عدة، سيحاربها بقدر ما يستطيع. فهؤلاء السياسيون يريدون اتفاقاً مع صندوق النقد وفق حساباتهم، ومن غير المعروف كيف سينتهي هذا الـ«كلاش» القوي بين الطرفين ومن سيغلب. هذه المواجهة بدأت مع مجيء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان إثر انفجار 4 آب 2020، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، لم ينجح المجتمع الدولي في اختراق الحائط في لبنان، لأنّ أي خرق سيكشف فضائح كبيرة. ومن غير الواضح، كيف سيُكسر هذا «الستاتيكو» المستمرّ، بحسب الديبلوماسي وسفير لبنان الأسبق في واشنطن رياض طبارة.
لذلك، إنّ التعويل على المجتمع الدولي مبالغ فيه، فالخارج يسعى الى أن يبقى لبنان واقفاً على رجليه فقط، أي إلى «عدم الانهيار وليس الازدهار». فالولايات المتحدة الأميركية تركّز على إنهاء ترسيم الحدود البحرية، ولا تريد فقدان السيطرة على البلد وتكرار تجربة عام 1982. والإيرانيون لا يريدون أن ينهار لبنان، لأنّهم لم يضعوا أسلحتهم في البلد لكي تُستخدم في حرب أهلية. لذلك، وفق طبارة، حين يصل لبنان الى حافة الانهيار تسارع الدول الى مساندته، مثلما حصل في ملف الكهرباء، إنّما لكي لا ينهار ويخرج عن السيطرة وليس لكي يزدهر.
بالتوازي، يعوّل من يعتبرون أنّ مشكلة لبنان الرئيسية سلاح «حزب الله» ودوره الإقليمي، على تحرُّك عربي – غربي لوضع السلاح على طاولة البحث، تمهيداً لحلّ شامل للبلد. ويأتي هذا التعويل بعد سلسلة تحرّكات ومواقف في الأشهر الأخيرة شدّدت على تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1559 المتعلّق بسلاح «حزب الله»، آخرها المبادرة الكويتية – العربية وبيان مجلس الأمن حيال لبنان. إلّا أنّ طبارة يشرح «أنّ «حزب الله» ليس كياناً مستقلاً، بل هو قطعة من «شطرنج»، ويدخل موضوعه ضمن ملف تعامل إيران مع الجوار، والتي منذ الثورة الإسلامية تتعامل مع دول الجوار من خلال الميليشيات: الحوثيون في اليمن، المعارضة في البحرين، «الحشد الشعبي» في العراق و«حزب الله» في لبنان. وهذه الميليشيات كلّها منظومة يتعامل معها المجتمع الدولي بشمولية، وليس بمعالجة ملف كلّ ميليشيا على حدة. وهذا الملف الشامل يدخل أيضاً في المفاوضات الحاصلة بين واشنطن وإيران، أي في الاتفاق النووي بين الــ«5 زائداً واحداً» وإيران، والذي كان يُفترض أن يشمل البرنامج الصاروخي الإيراني وتعامل إيران مع دول الجوار، أي الميليشيات المتحالفة مع إيران، بحسب ما كان يسعى إليه الرئيس الاميركي جو بايدن، لكنهّ وصل الى مرحلة حيث يزيد التخصيب الإيراني، فيما يبحثون في فيينا في أمور معقّدة مثل الميليشيات». لذلك يلاحظ طبارة «أنّ الأميركيين قرّروا أن يفصلوا موضوع الميليشيات عن المفاوضات النووية، إذ في الفترة الأخيرة تتركّز المفاوضات في فيينا على النووي فقط». ويرى أنّه «تمّ تحويل ملف الميليشيات الى المفاوضات الإقليمية بين إيران والسعودية».
إنطلاقاً من هذه المعطيات، إنّ أي انعكاس للتفاوض الخارجي على لبنان سيكون من باب التفاوض الإيراني – السعودي وليس من باب الاتفاق النووي. فمسار مفاوضات فيينا يُظهر أنّه إذا جرى اتفاق سينحصر بالشأن النووي، ولن يكون له تأثير كبير على لبنان، أمّا التأثير الفعلي فسيحصل من خلال المسار الإقليمي بإشراف دولي، وهو الذي يجب متابعته لتبيان انعكاسه على لبنان و«حزب الله»، لأنّ موضوع «الحزب» لا يُعالج منفرداً بل ضمن موضوع الميليشيات المتحالفة مع إيران. لكن على رغم ذلك، إنّ هذا المسار طويل، فضلاً عن أنّ أولوية السعودية في هذه المفاوضات، الحوثيون في اليمن.
أمّا بيان مجلس الأمن فيأتي في سياق كلّ البيانات الصادرة عنه المتعلّقة بلبنان والتي تبدأ بالتذكير بالقرارات الدولية وأوّلها القرار 1559، وحين يحصل أي تفاوض دولي أو إقليمي يذكر مجلس الأمن به، بحسب ما يشرح طبارة. وعلى صعيد المبادرة الكويتية، هناك فكرتان في الخليج، الأولى أنّ لبنان ميؤوس منه ويجب تركه الآن، وهذه الفكرة طاغية في السعودية.
فيما الفكرة الثانية تقول، إنّ التخلي عن لبنان يعني تركه لإيران، ويجب انخراط الخليج في لبنان لكي لا تتفلّت الأوضاع ويصبح في يد إيران كلياً. وهذه الفكرة طاغية لدى الكويت وبعض دول الخليج، وفق طبارة. وبالتالي، هناك خطان متوازيان في الخليج الآن في ما يتعلّق بلبنان، من غير الواضح بعد أيّهما سيطغى، وما إذا كان الخليج سيعود بقوة الى لبنان أو ينسحب منه.
وبالتالي، إنطلاقاً من هذه المعطيات، ومن الصورة الإقليمية – الدولية الشاملة المؤثرة على لبنان، إضافةً الى ممانعة المنظومة الحاكمة للإصلاحات، وتعذُّر التغيير الفعلي من خلال الانتخابات، لا ضوء واضحاً في الأفق حيال وضع لبنان.