رفع الاتفاق الموقع في فيينا بين إيران والقوى الكبرى (5+1) الأبواب أمام النظام الإيراني ليواصل سياسته التوسعية في المنطقة العربية، وتحقيق أحلامه في إقامة الإمبراطورية الفارسية الجديدة. وسيوفر هذا الاتفاق للنظام موارد مالية هائلة تجعله قادراً على الإنفاق بغير حدود على مشاريعه التوسعية، بدلاً من المشاريع الإنمائية التي تنقذ الشعب الإيراني من الأزمات التي تمسك بخناقه وتجعله تابعاً لما يفرض عليه من سياسات تفتقر إلى الحكمة. ومع أن الاتفاق سيجعل النظام الإيراني خاضعاً للمراقبة الدولية، إلا أن هدفه الأول هو التمدّد في المنطقة مع عدم المساس بالمصالح الحيوية للقوى الكبرى التي لا تهمّها مصالح الدول العربية، لا من قريب ولا من بعيد.
ولذلك يتوقع أن يبدأ النظام الإيراني مرحلة جديدة من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، سواء بالتآمر عليها من خلال الميليشيات التابعة له، والتي بلغت في كل من العراق وسورية واليمن مبلغ الجيوش الجرارة، أو من خلال التمدّد الطائفي والانتشار المذهبي ونشر الفتن الدينية وتأليب الجماعات التابعة له من أبناء المنطقة وتحريضها على القيام بزعزعة الاستقرار والإخلال بالأمن العام. فبهذه السياسة التي ينتهجها النظام الإيراني، والتي لا نشك في أنها ستعرف المزيد من الاندفاع في المرحلة المقبلة، يمكن له أن يمارس اللعبة التي يفضلها، ويجيدها أيضاً، والتي تتمثل في إغراق المنطقة في مستنقعات الفوضى. وهنا تلتقي مصالح طهران ومنظري «الفوضى الخلاقة». وهو الخطر الحقيقي المحدق بالعرب.
إن التحليل المنطقي للتطور الذي حصل في علاقات النظام الإيراني بالقوى الكبرى (5+1) ينتهي إلى أن القيود التي وضعها اتفاق فيينا عليه، لا يمكن أن تكون عازلة له عن مواصلة القيام بما دأب على القيام به من أعمال التخريب والتآمر على الدول العربية تحت مسميات عديدة. فهذا النظام قام على أساس طائفي يتلخص في عبارة «تصدير الثورة الإسلامية». والمقصود في جميع الأحوال، هو التطاول على سيادة الدول العربية تحديداً، والإضرار بمصالحها، وزعزعة الاستقرار فيها، ونشر المذهب الشيعي ونظرية ولاية الفقيه التي تجعل من مرشد إيران ولياً للمسلمين كافة وفي كل مكان.
إن نشر المذهب الشيعي بين المسلمين من أهل السنّة، سياسة ثابتة يعتمدها النظام الإيراني ويجعل منها سلاحاً له لفرض وجوده في العالم العربي والإسلامي. وهي سياسة دولةٍ أرادت أن تكون هي الأقوى في الإقليم. فهل يقوم المسلم بالتبشير بالدين بين المسلمين؟ يحضرني الآن ما قاله الشيخ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف في برنامجه على التلفزيون المصري: «إننا أمة واحدة، وأبناء دين واحد، وفي زورق واحد. وهذه قضية لا يجب أن نقترب منها، لكن نحن الآن نتحدث عن قضايا مذهبية داخل الإسلام».
ومما يذكر في هذا السياق، أن الأزهر قد طالب في وقت سابق، المرجعياتِ الشيعية في العراق وإيران، بإصدار فتاوى صريحة تحرم في شكل قاطع تكفير الصحابة وسبهم والتطاول على أمهات المؤمنين ورموز أهل السنّة، وبالتوقف عن محاولات نشر المذهب الشيعي في البلاد السنّية.
لكن المرجعيات الشيعية الكبرى لم تستجب، لأنها لا تملك من الصراحة والشجاعة الأدبية ما يدفعها إلى قول الحق ودعوة أتباعها إلى الكف عن تكفير صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأمهات المؤمنين وسبّهم وهم الذين نزل فيهم القرآن الكريم مادحاً ومبشّراً لهم بالمغفرة والرضوان.
إن علينا أن نتوقع من النظام الإيراني خلال هذه المرحلة والمراحل المقبلة، مزيداً من التمدد في المنطقة، ودعماً أكثر للجماعات الطائفية والميليشيات الإرهابية التي يحرّكها ويدفع بها نحو ضرب مصالح الدول العربية والإخلال بالأمن فيها، والسعي من أجل إطالة أمد حالة الفوضى الهدامة التي جعلت من منطقتنا ساحات للاقتتال والاحتراب وتصفية الحسابات. فالنظام الإيراني قد صمم على المضيّ إلى آخر المطاف في تحقيق خطته للهيمنة على الإقليم بشتى الطرق. فنحن اليوم على أبواب أزمة جديدة تستدعي أن تبادر الدول العربية، ومعها بقية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية للتصدّي لهذا التحدي الخطير، وتقوية التحالف العربي وتوسيع مجاله لمواجهة هذا التحدي بالقوة والحزم، وبما يحفظ الأمن والسلم في هذه المنطقة من العالم، وبما يحبط هذه المؤامرة المشبوهة التي ينفذها نظام متطرّف، والتي تتلاقى في أهدافها مع ما تدبره في واضحة النهار، القوى الاستعمارية الجديدة، التي تعمل تحت عناوين براقة تخدع بها شعوب الإقليم.
ولعلّ التطورات التي حدثت أخيراً في اليمن باسترجاع مدينة عدن ومطارها ومينائها من الميليشيات الحوثية وقوات الرئيس المخلوع علي صالح، وما سيتلوها من تحركات لاسترجاع تعز ومأرب وغيرهما تمهيداً لطرد الحوثيين ومن يناصرهم من العاصمة صنعاء، لعل هذا يكون بداية التحرك الكبير لمواجهة تدخلات إيران الطائفية في المنطقة برمتها. لقد دخلنا مرحلة جديدة من التحديات الخطيرة التي يتربص أصحابها بنا الدوائر، فلا مناص من المبادرة إلى إنشاء برامج نووية مماثلة لما تم الاتفاق عليه بين القوى الكبرى (5+1) وإيران، وبالشروط نفسها، وتحمّل كلّ النتائج المتوقعة وغير المتوقعة، للحفاظ على الأوطان وحماية وجودها وأمنها.