التقييم السلبي لاجتماع فيينا لم يكن صائباً. في الأساس لم يعلّق المراقبون الكثير من الآمال على اللقاء الاول والذي يجمع جميع الاطراف الخارجية المتحاربة على الساحة السورية. ورغم ذلك فإنّ ما صدر من نقاط شكل مفاجأة جيدة تعد بالكثير مستقبَلاً في حال استمرار الامور وفق الدينامية نفسها.
ترافقت اجتماعات فيينا مع إعلان المملكة العربية السعودية عن قرب انتهاء الحرب الدائرة في اليمن وهو ما يعني الكثير خصوصاً على صعيد إعادة التواصل السعودي – الايراني ولو ليس بشكل فوري.
في السابق كانت آمال كلّ من إيران والسعودية كبيرة ما أدّى الى اندلاع الحرب واستمرارها. كانت القوات الموالية لإيران تريد السيطرة على كامل اليمن من خلال الإمساك بعدن بعد صنعاء وهي كادت تنجح. في المقابل وبعد انطلاق العمليات العسكرية بقيادة السعودية كانت الرياض ترفض أيّ وقف لإطلاق النار قبل استعادة صنعاء بعدما نجحت ولو بصعوبة باسترداد عدن.
مع الوقت اقتنع الجميع بأنّ حرب اليمن تحوّلت الى حرب استنزاف مع صعوبة إحداث تغيير عسكري جديد لتصبح معادلة صنعاء مقابل عدن هي المعادلة الواقعية.
وتحدّث السعوديون في السابق وأمام الوسطاء الذين جالوا بينهم وبين الإيرانيين بأنّ الاحتقان السعودي الداخلي كبير وهو يمنع حصول أيّ تواصل مع إيران إلّا بعد تحقيق إنجاز عسكري كبير «وبعدها نتكلم بكلّ الباقي».
لكنّ حرب اليمن باتت على قاب قوسين من النهاية وفي الوقت نفسه بدأت لقاءات النمسا للاتفاق على أسس للحلّ السوري حيث جلست كلٌّ من إيران والسعودية على الطاولة نفسها ولو أنّ اللقاءات الثنائية لم تبدأ بعد.
في الأوساط الديبلوماسية هنالك مَن يقول إنّ المشاورات الدائرة في الكواليس وبعيداً من الإعلام والتصريحات والمساجلات تبدو أجواؤها جيدة على اعتبار أنها بداية مسار. لكنّ هؤلاء يتجنّبون التكهّن عن الوقت الذي قد تأخذه هذه المفاوضات قبل الوصول الى اتفاق نظراً لتداخل عوامل عدة في هذا الإطار ومن بينها العامل الميداني.
ذلك أنّ طهران تؤيّد الرئيس السوري بشار الاسد في سعيه لتسجيل انتصار عسكري واضح وحاسم يسمح له بترجمته على طاولة المفاوضات لاحقاً. وقبل ذلك يعتقد بعض المراقبين أنّ وزير خارجية إيران يحمل تعليمات بملء الوقت وإطالة فترة المفاوضات ولكن من زاوية المرونة وعدم المجازفة بوقف المفاوضات.
ولا حاجة للتذكير مرة جديدة بأنّ الهدف الرئيس للنظام السوري في هذه المرحلة هو استعادة جسر الشغور وإحكام القبضة حول مدينة حلب بعد استرجاع كامل ريفها.
إلّا أنّ تعقيداتٍ ظهرت في الأيام الماضية. أولى هذه التعقيدات وتتعلّق بدخول «داعش» على خطّ تنفيذ عمليات إرهابية مباشرة ضدّ المصالح الروسية. صحيحٌ أنّ موسكو كانت تتوقع أن تكون هدفاً لأعمال إرهابية، إلّا أنّ بدء هذه المرحلة عملياً سيُلزم موسكو بتركيز جهودها على مكافحة الخلايا الإرهابية التي ستستهدفها.
لكنّ هذه الهجمات الارهابية ستضاعف من النشاط العسكري الروسي في سوريا وعلى أساس إنجاز العمل بأقصى سرعة «دفاعاً عن موسكو وأمنها» إضافة الى تثبيت واقع جديد في الشرق الاوسط انطلاقاً من سوريا.
لذلك ستبدو العواصم الغربية قلقة وساعية لإنهاء بؤرة «داعش» في سوريا والعراق بعدما أضحت مخالبُ هذا التنظيم قادرة على الوصول الى أماكن بعيدة.
وفي هذا الإطار تملك الحكومات الأوروبية معلوماتٍ دقيقة عن قيام داعش بإرسال عشرات الانتحاريين الى اوروبا بعدما قام بدسّهم بين المجموعات النازحة والتي تدخل الى أوروبا خلسة من خلال تركيا، وإنّ هؤلاء الانتحاريين سينفّذون عمليات ارهابية مؤذية في أوروبا وفق توقيت معيّن يبدو أنه لم يعد بعيداً.
وهذا ما جعل السلطات الاوروبية تتّخذ وضعية حال الطوارئ غير المعلَنة في محاولة لإحصاء كلّ المجموعات التي تنجح بالعبور الى اوروبا وملاحقة الهاربين كما ظهرت تعقيدات على مستوى الدولة التركية مع نجاح حزب أردوغان في تحقيق تقدّم واضح في الانتخابات التشريعية التي حصلت أمس.
والسبب يعود الى أنّ أردوغان يعتبر إبقاء حلب خارج سيطرة النظام السوري ومع قوى تتعامل مع تركيا مسألة أساسية جداً في مشروعه الاقليمي انطلاقاً من سوريا.
وهو ما يعني أنّ التطوّر الانتخابي التركي قد يساهم في إطالة مدة التفاوض بانتظار جلاء الصورة العسكرية في حلب.
لكن في الاجمال فإنّ التفاؤل بدأ يسود في الاوساط الدولية حول سوريا ولو بكثير من الحذر.
منذ أشهر معدودة وإثر عودتهما من زيارتهما الى السعودية أطلق كلٌّ من رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وبعده النائب وليد جنبلاط مواقف يغلب عليها الطابع السوداوي حول استمرار المعارك في سوريا لسنوات عدة وعدم وجود أيّ بادرة إيجابية في هذا الاطار.
لكن اليوم حدثت تطوّرات جديدة خصوصاً على مستوى السعودية، وهو ما حدا بالوزير أشرف ريفي مثلاً الى توقّع حصول انتخابات رئاسية في لبنان في مدة تراوح بين ثلاثة الى خمسة اشهر. وهي مدة تتطابق مع الفترة الزمنية التي وضعتها موسكو لعمليتها العسكرية في سوريا.
يُقال إنّ موسكو تشاورت مع كلٍّ من واشنطن وباريس حول ضرورة إضافة الملف اللبناني على طاولة المفاوضات حال التوصل لاختراق كبير على مستوى الملف السوري.
لذلك ربما بدأ الرئيس سعد الحريري يحضّر لعودته الى لبنان بانتظار التوقيت الملائم والذي يتعلق بتطوّرات المفاوضات. وقيل إنّ الحريري أجرى مشاورات بهذا الخصوص مع بعض المسؤولين السعوديين وهو ينتظر إشارتهم والتي ستُتوَّج بإعادة فتح صناديق الدعم المالي.
والحريري الذي يدرك أنّ عودته مرتبطة بساعة المفاوضات والضوء الاخضر السعودي لا يبدو مرتاحاً في الوقت نفسه للتفسّخات التي أصابت تيار المستقبل، حيث كثر الطامحون للدخول الى السراي الحكومي ما دفعهم لانتهاج سياسات متناقضة في بعض الاحيان وعلى حساب موقع الرئيس الحريري نفسه. وهذا بحدِّ ذاته سببٌ ملحٌّ لاستعجال العودة كون الطبيعة تأبى الفراغ.