ليس من المرجح أن تُعقد الجولة السادسة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة وشركائها في فيينا، يوم الخميس المقبل، أي قبل خمسة أيام من موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 18 يونيو (حزيران) الجاري، التي من الواضح تماماً أن النظام في طهران تعمد تحويلها إلى مجرد رسائل ضغط واضحة على مسار المفاوضات، من خلال الحرص الواضح على أن يفوز المتشددون فيها بما يدعم تصلّب المرشد علي خامنئي.
في هذا السياق كان اختيار المرشحين المتشددين وفي مقدمهم إبراهيم رئيسي الذي يدعمه خامنئي، ومن الواضح أنه يفضل أن يكون خليفته، فلقد ولّى زمن حسن روحاني الذي وصل إلى الرئاسة من طريق المفاوضات، التي انخرط فيها أيام الرئيس باراك أوباما وكان أحد كبار المفاوضين الذين تعاونوا في صنع اتفاق عام 2015، الذي ألغاه كما هو معروف الرئيس دونالد ترمب عام 2018، الذي قال قبل أيام: «كان ينقصنا مدة أسبوع واحد لكي تفعل العقوبات فعلها الحاسم ضد النظام الإيراني»!
حتى عندما أعلن خامنئي أنه يرفض قطعاً التصويت بورقة بيضاء، وكان بهذا واضحاً في أنه يضع صوته في خانة رئيسي المتشدد أكثر منه، وعلى كلٍّ ليس من المبالغة القول إنه حتى مجريات الانتخابات في إيران تمت هندستها لتبدو كرسائل متشددة إلى المفاوضات في فيينا، التي لم تتوصل بعد إلى تفاهمات نهائية للعودة إلى فحوى وبنود اتفاق 2015، ذلك أن إيران تكرر دائماً القول إنه تشترط رفع كل العقوبات قبل العودة إلى التزاماتها، في حين يدعو الجانب الأميركي إلى عودة الإيرانيين إلى الامتثال لالتزاماتهم، وإن كانت واشنطن تحاول في الأسابيع الأخيرة الإيحاء بأنها تقبل تراجعاً متبادلاً بين الموقفين، رغم كل التصريحات التي تنكر ذلك!
وفي هذا السياق قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يوم الاثنين الماضي، إن إيران تقترب من السلاح النووي إذا استمر برنامجها، وإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت طهران راغبة ومستعدة، لفعل ما يلزم للعودة إلى الالتزام بالاتفاق وبنوده الواضحة. وكان بلينكن حازماً في القول للمشرعين في الكونغرس إن البرنامج النووي الإيراني يسير بسرعة إلى الأمام، وكلما استمر ذلك لفترة أطول تقلّص الوقت اللازم لصنع مادة انشطارية، وقد انخفض الآن حسبما تقول التقارير العامة إلى بضعة أشهر في أحسن الأحوال، وإذا استمر ذلك فسينخفض إلى أسابيع!
كلام بلينكن الذي جاء في إطار من التحذير، قرأ فيه بعض المراقبين نوعاً من خلق بيئة تساعد فعلاً على الإسراع في بذل الجهود للعودة إلى الاتفاق، رغم أن كلامه تزامن مع اتهامات وجّهها محمد جواد ظريف إلى الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن بأنهما لا يريدان التخلي عن سياسة الضغوط القصوى ضد إيران، «وأنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن مستعدة للتوقف عن استخدام الحرب الاقتصادية كورقة مساومة»!
لكنّ كبير المفاوضين الإيرانيين في مفاوضات فيينا عباس عراقجي، كان قد أعلن في وقت سابق أن الولايات المتحدة أبدت استعدادها لرفع جزء ملموس من عقوباتها على طهران، «فلقد سلّمت إلينا معلومات من الجانب الأميركي بأنهم جادون في رغبتهم في العودة إلى الاتفاق النووي، وأعلنوا حتى الآن استعدادهم لرفع جزء كبير من عقوباتهم، لكنّ العرض الأميركي ليس كافياً من وجهة نظر طهران، لذلك ستتواصل المشاورات ما لم تتم تلبية كل مطالبنا»!
وفي غضون ذلك تواصل إيران الضرب في خواصر الأميركيين في المنطقة، وتأتي الهجمات الصاروخية وعمليات الطائرات المسيّرة التي تستهدف القواعد الأميركية في العراق تحديداً، تأكيداً على هذا، وكان آخرها الهجوم على قاعدة عين الأسد، وقبل ذلك استهداف قاعدة بلد وحتى مقر السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء.
ولا تقتصر هذه الرسائل النارية الموجهة إلى الموقف الأميركي في مفاوضات فيينا على ما يجري في العراق تحديداً، فليس سراً أن صواريخ حرب غزة كانت رسالة واضحة إلى واشنطن، وتحديد يحيى السنوار بأن الهدنة في القطاع هشة تماماً، وأن ما جرى خلال الـ11 يوماً من القصف لم يكن حرباً بل مجرد رسالة، جاء متزامناً مع التصعيد الإيراني عبر الحوثيين وخصوصاً في منطقة مأرب، وكل ذلك يأتي في سياق رسالة واضحة إلى واشنطن، أن إيران قادرة على إشعال الحرائق في المنطقة وعدّها مجرد أوراق على طاولة فيينا، التي تحاول أن توسع إطار الاتفاق النووي ليشمل نشاط إيران الصاروخي تحديداً، الذي يسجّل تصاعداً مقلقاً في المنطقة وحتى عند الدول الأوروبية، إضافة طبعاً إلى سياسات التدخل الإقليمي المزعزع للاستقرار في المنطقة، وهو ما ترفضه طهران بقوة معتبرة أن قوتها الصاروخية وتدخلاتها الإقليمية تعطيها دوراً وقوة لا يمكن الاستغناء عنهما!
يوم الثلاثاء الماضي قال قائد المنطقة المركزية الأميركية الجنرال فرانك ماكينزي، أمام الكونغرس والصحافة إن أكثر ما يقلقه كقائد لهذه المنطقة أن القوات الأميركية لا تملك التفوق الكامل على الأجواء، وأن الإيرانيين خلال الأعوام الخمسة الماضية طوّروا في شكل ملموس ونوعي، قوتهم الصاروخية الباليستية، وأن لديهم حسب التقديرات 3000 صاروخ، كما عبّر عن تخوفه من وجود مسيّرات في مسارح العمليات، وقال إن طهران تشغّل هذه المنظومات وقد استثمرت فيها كثيراً وكذلك التنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة» و«طالبان».
ويقول ماكينزي إن الوجود الأميركي في المنطقة هدفه منع إيران من التمادي في أنشطتها الخبيثة، وإنها ما زالت تشكّل التهديد الأبرز لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، وقال إن الحوثيين ليست لديهم رغبة في إنهاء الأزمة اليمنية، مشدداً على أن مساعدة المملكة العربية السعودية في الدفاع عن نفسها أولوية أميركية عالية.
وفي حين تستمر المفاوضات في فيينا، حذّر تقرير دولي من التهديدات الإقليمية الإيرانية، ونبّه «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية» في تقرير تفصيلي، إلى مخاطر تنامي ترسانة إيران الصاروخية الضخمة، لا سيما الطائرات من دون طيار وصواريخ كروز، وهذه ليست مخصصة للدفاع فحسب بل للمعارك أيضاً!
هل يمكن الافتراض أن ما يجري في فيينا هو مجرد مفاوضات حول العودة إلى الاتفاق النووي عام 2015، في وقت تتصاعد التقارير والتصريحات والتطورات العسكرية من غزة إلى اليمن مروراً بالعراق، أم أن التطورات باتت تفرض تقديم التحديات الصاروخية والتدخلات الإيرانية الإقليمية، على التلويح بالنووي الذي يقول بعض الخبراء إن طهران لو تملكته فإن استعماله سيدمّرها هي قبل غيرها؟!