إذا كانت «مفهومة» خطوة «حزب الله»، في سياق فائض القوة الذي يستخدمه، تعليقَ جلسات مجلس الوزراء «ما لم يتم قبع المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار»، فما ليس «مفهوماً» هذا التراجع عن هذه الخطوة من دون «قبع البيطار».
لم يعتَد اللبنانيون على تراجعات لـ»حزب الله»، كان «المتعارف عليه «انه حين» يرفع السيد إصبعه «فهذا يعني أنه «قُضي الامر».
لأنعاش الذاكرة:
«حزب الله» أقفل وسط بيروت بالإعتصامات أحد عشر شهراً، ولم يُقِم وزناً لمصالح اللبنانيين، ولم يعد عن الإعتصام إلا بعدما حقق مطالبه.
«حزب الله» تمسَّك بشبكة الاتصالات الخاصة به ولم يتراجع عنها، وأرغم مجلس الوزراء على التراجع عنها بعد 7 أيار 2008 الذي وصفه أمينه العام السيد حسن نصرالله بأنه «يومٌ مجيد».
حزب الله «تفرَّج» على المروحية الأميركية تُقل عامر فاخوري من السفارة الأميركية في عوكر إلى قبرص. وآنذاك ضجت مواقع التواصل الإجتماعي بسؤال الحزب: أين صواريخكم؟
«حزب الله» يتراجع هذه المرة، لماذا؟
قد يربط البعض هذا التراجع بتقدمٍ ما في محادثات فيينا، وقد يربطه بالتقارب السعودي – الإيراني، وقد يربطه بالتطورات العسكرية الميدانية في حرب اليمن، لكن مع أخذ العوامل الخارجية بالاعتبار، فإن مثل هذه العوامل الخارجية كانت متوافرة أثناء اعتصام وسط بيروت، لكن الحزب لم يكن يتراجع، هذا يعني أن عوامل داخلية هي أيضاً كانت حاسمة في تراجعه، ومنها:
فشله في مواجهة الأزمة الإقتصادية بشكلٍ يجعل «بيئته الحاضنة» تستمر في «مبايعته». فاستيراد المازوت الإيراني وتوزيعه كان دعائياً بمقدار ما كان لسد حاجات القرى والبلدات و»البيئات الحليفة»، وبعد المبالغات الإعلامية خفت وهجه.
الحالات الإعتراضية داخل البيئة الشيعية تتسع، وما كان بارزاً الأسبوع الفائت الخطبة النارية للشيخ عبد السلام دندش، من بعلبك الهرمل، والذي وجه فيها انتقاداً مباشرًا للسيد حسن نصرالله. والمعروف ان بعلبك الهرمل هي خزان الطائفة الشيعية الكريمة، حيث ان قرابة الستين في المئة من أبناء تلك المنطقة هُم من الشيعة، والمنتمون منهم مع عائلاتهم إلى ثنائي «حزب الله»-أمل لا يتجاوز ثلث هذه النسبة، أما الآخرون فيدينون بالولاء للعشائر، ومنهم عشيرة آل دندش التي ينتمي إليها الشيخ عبد السلام دندش.
هذا من دون إغفال حالة الشيخ صبحي الطفيلي قائد «ثورة الجياع «.
«شيعة البقاع»، إذا صحَّ التعبير، يتحدثون بإسهاب عن عمليات بيع «المازوت الإيراني» على يد نجل أحد مسؤولي «حزب الله» في البقاع، وهذا سبب إضافي لتعميق الهوة الإعتراضية بين العشائر والحزب.
وجاءت لافتة جداً في توقيتها ومضمونها، تغريدة علي صبري حمادة، نجل رئيس مجلس النواب الراحل صبري حمادة، الذي كتب فيها: «أرجو من وسائل الإعلام ورجال السياسة أن يوقفوا استعمال كلمتي «الثنائي الشيعي» للإشارة الى حزب الله وحركة أمل. وكأنكم تريدون اختصار الطائفة الشيعية بالحزبين. وهذا وصف مستفز للكثير من الشيعة الذين هم خارج هذه الثنائية. الحزبان لديهما تسميتاهما فاستعملوهما.»حزب الله وحركة_أمل».
البيئة السياسية في الجنوب ليست افضل حالاً:
من حادثة بلدة «شويا» مع الدروز إلى سلسلة الإنفجارات الغامضة في بعض البلدات والتي يفرض الحزب طوقاً امنياً حولها ويمنع أياً كان من الإقتراب حتى الصليب الأحمر.
كل هذه العوامل مجتمعة، جعلت من «حزب الله» يحاول التقاط الأنفاس، من خلال التراجع، ولكن إلى متى؟ هذا ما يجب رصده.