وأخيراً انطلقت جولة المفاوضات الجديدة من مباحثات الملف النووي الإيراني في العاصمة النمسوية فيينا. آمال كبيرة معلّقة على نتائج هذه المفاوضات وأسئلة حول مستقبل الاتفاق النووي، وما سيبنى على هذه المفاوضات من نتائج على مستوى المنطقة. وفي لبنان الذي اعتاد رهن ملفاته الداخلية بمسار التطورات من حوله، يترقب ما سيخرج عن هذه المفاوضات من انعكاسات سيكون لها وقعها على حل أزماته المتراكمة. لكن الرهان على نجاح المفاوضات النووية لن يفي غرضه بالضرورة أقله في القريب العاجل.
ذلك ان الوقائع المتعلقة بالاتفاق النووي قد تغيّرت. وتشير مصادر سياسية مطلعة على الملف النووي عن قرب ان المفاوضات الحاصلة لن تكون على اساس الاتفاق النووي الذي سبق وتمّ توقيعه، وإنما على اقتراح “اتفاق نووي موقت” مقترح من قبل اميركا ومدعوم من الصين وروسيا، لأن الاتفاق الحالي لا امكانية لتطبيقه لأسباب كثيرة متصلة اساساً بالرئيس الاميركي جو بايدن وصلاحياته المحدودة وكونه مطوقاً من الكونغرس.
والمقصود بالاتفاق الموقت، ذاك الاتفاق الذي سيستمر حتى نهاية ولاية الرئيس الاميركي والذي يمكن من خلاله ممارسة صلاحياته ورفع العقوبات عن ايران كل ثلاثة اشهر، بما يسمح بالافراج عن قسم كبير من أرصدة ايران الموجودة في الخارج ويسهل امكانية استيرادها البضائع الاساسية والتبادل التجاري والمصرفي وبيع مخزونها من المشتقات النفطية. وبذلك يكون بايدن قد تحرر من قيود المتربصين به في الكونغرس.
أما المطلوب من ايران في المرحلة المقبلة فهو توقيف عملية التخصيب بنسب أعلى من حاجتها، بيع الفائض من المخصب الذي تنتجه، والسماح لمفتشي الوكالة الدولية بالعودة الى عملهم وفق الآلية السابقة. وتمّ التوافق على عدم بحث اي ملفات خارج اطار الاتفاق النووي لا الصواريخ الباليستية ولا إدخال دول اخرى في المفاوضات ولا بحث النفوذ الايراني في المنطقة. في المقابل تمّ التوافق على مناقشة بعض الامور المتصلة بالعلاقات العربية الايرانية والتي انطلقت المبادرات بشأنها، وتعزيز القدرات العسكرية وهذا بند يمنح ايران الحق في تصنيع الاسلحة الباليستية التقليدية غير المحملة رؤوساً نووية. أما موضوع التسلح في المنطقة فلا تمانع ايران بحثه شرط ألّا يكون محصوراً بايران بل يشمل دولاً اخرى كاسرائيل وتركيا والسعودية والهند وباكستان، أي ان يكون البحث شاملاً. ويفرض الاتفاق الموقت على ايران الالتزام بالبنود الواردة والا كانت عرضة للمحاسبة ولمجلس الأمن الحسم فيه، باعتبار ان الاتفاق النووي صدر عنه.
لكن السؤال كيف سينعكس مثل هذا الاتفاق، اذا تمّ، على المنطقة العربية ولبنان من بينها؟
يؤكد خبير في الشؤون الايرانية ان الاتفاق سينعكس حتماً على دول المنطقة ككل. كل دول المنطقة بحاجة الى تسوية وليس الى الحرب، تعاني ايران من ازمة اقتصادية وتركز اهتمامها على الموضوع النووي ورفع الحظر، للسعودية أزمتها في اليمن، ولأميركا أزماتها الوجودية ومواجهتها مع الصين وروسيا وما يتفرع عنها، ولذا اعلنت انسحابها من العراق وبصدد الانسحاب من سوريا ومنع اسرائيل من المغامرة تجاه إيران، لاأن ذلك سيعرض المنطقة لحرب وجودية بين محورين، فكان الخيار الاميركي الأوحد هو التفاوض مع الايراني بدل التجاه نحو تصنيع اسلحة نووية. هدف الاميركي ان يكون وضع المنطقة متأرجحاً بين لا حرب ولا سلم اي لا استقرار بحيث لا تستطيع الاطراف المحسوبة عليه الاستغناء عنه.
في المرحلة الحالية قد يكون استقرار المنطقة من مصلحة اميركا، فيما تعيد ايران ترتيب اوراقها مجدداً، وبضوء اخضر اميركي بوشرت المفاوضات الايرانية السعودية، وتقول المعلومات ان الجولة الاخيرة أفضت الى ايجابيات على مستوى العلاقات الثنائية، وقد زار وفد سعودي أمني ايران مؤخراً وبحث في امكانية اعادة فتح السفارة وتبادل التمثيل الديبلوماسي. ويفترض ان الجولة الخامسة والتي ستحصل خلال اسبوعين في العراق ستشهد بحثاً في القضايا غير الثنائية اي تلك المتعلقة بقضايا المنطقة، ولكن على اساس عودة الاستقرار والوجود الاجنبي فيها. فهل سيحل لبنان ضيفاً على هذه الجولة؟
الجواب، وإن كان ايجابياً لكن ليس على صورة ما يتم تصويره في لبنان، ذلك ان الايراني لا يزال على موقفه الثابت برفض التفاوض عن حلفائه سواء في لبنان او اليمن، كونهم الأدرى بتفاصيل واقعهم السياسي، ولكن لهم ان يساعدوا متى طلب منهم ذلك.
في المحصّلة مجرد ان تخرج جولات المفاوضات سواء في فيينا او العراق بنتائج ايجابية يعني حكماً حلحلة في المنطقة. لكن تبقى الامور مرهونة بخواتيمها ولنا ان ننتظر ما ستخرج به نتائج المفاوضات السعودية الايرانية، وهنا بيت القصيد.