بعد أن خطفت فيينا الاضواء امس نتيجة استئناف المفاوضات حول الملف النووي الايراني تتجه الانظار الى العواصم العربية والخليجية لاستكشاف نصيب الازمة اللبنانية من الحركة التي ستشهدها، في وقت تضاءلت الرهانات على ما يمكن ان تنتهي اليه، فالعلاقات البينية بين العواصم الخليجية وما بينها والغربية ليست طبيعية وهو ما يؤخّر التوصل الى ما يطوي الخلافات اللبنانية الداخلية. فما الذي تعنيه هذه المعادلة؟
تجمع مصادر ديبلوماسية وسياسية واسعة الاطلاع على اهمية متابعة الحراك الاستثنائي الذي تحفل به ايام الاسبوع الجاري في أكثر من عاصمة عربية وغربية. فالمنطقة تغلي من شمال اليمن وجنوب المملكة العربية السعودية الى سوريا والعراق وعلى سواحلها من مضيق هرمز في الخليج العربي وجنوب ايراني الى باب المندب بوابة البحر الأحمر الى منطقة شرق البحر المتوسط حتى شمالها حيث احتشدت الأساطيل من مختلف الدول لمواكبة ما يجري في المنطقة من مواجهات استخدمت فيها كل القدرات العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية.
وقبل البحث عن موقع لبنان وحصته ونصيبه مما يجري من حراك دولي وأممي وما يمكن ان يؤدي اليه من حلحلة في شؤونه الداخلية، لا بد من الإشارة إلى انّ مسلسل الأحداث التي قادت الى الغليان القائم على مساحة هذه الدول ومحيطها ستكون مدار بحث وتدقيق في الايام المقبلة بما فيها مجموعة الأزمات التي تشابكت وتناسلت على الساحة اللبنانية. فقد تحولت بمعظمها عن سابق تصور وتصميم من نتاجها او انعكاسا لها، وابرزها واكثرها ايلاماً الأزمة الديبلوماسية التي عصفت بسرعة قياسية بالعلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية وبعض دول مجلس التعاون الخليجي التي تضامنت مع الرياض.
على هذه الخلفيات، تتجه الانظار منذ امس وبكثير من الشكوك والقلق، الى مجموعة الزيارات والقمم المتوقعة معطوفة على المفاوضات المعقدة والمتشابكة في شأن الملف النووي الإيراني التي استؤنفت في فيينا أمس بين وفد الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي كان قد وصل اليها السبت الماضي تزامنا مع وصول الوفد الاميركي ومعه بقية الوفود من مجموعة الدول الـ (5 +1). وفي الوقت الذي تعددت الآراء حول ما يمكن ان تنتهي اليه هذه المفاوضات من نتائج، فإن الإنقسام ما زال قائما حول عدد من الخطوات المقترحة من الجانبين.
والمعلومات القليلة التي تحدثت عن الاجتماعات التي عقدت على مستوى الخبراء أمس الأول وسبقت الاجتماع الرسمي دفعت الى التريّث المشوب بالقلق في الحكم على ما هو متوقع من نتائج. فالحديث عن حل سحري وفوري يمكن ان ينعكس على أزمات المنطقة وعلى أداء «حزب الله» وحلفائه في الداخل اللبناني بالسرعة المتوقعة ما زال مستبعدا. وإن رأى المفاوضون حاجة الى مزيد من المفاوضات حول بعض المفاصل الاساسية في الملف الكبير وتشعباته، فإنّ ذلك سيؤدي الى استمرار المراوحة على الساحة الداخلية التي تحول دون الانفراج الموعود ان لم تتدهور الاوضاع مأسوياً اكثر مما هي عليه اليوم.
وفي انتظار ان تنجلي نتائج مفاوضات فيينا والمسار الذي ستسلكه، تتجه الأنظار الى الحراك الآخر، فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي وصل صباح أمس إلى قطر والتقى أميرها تواً يستعد لعقد لقاءات اخرى مع القادة ان جاء التمثيل العربي في مناسبة افتتاح «كأس العرب» على مستوى رؤساء الدول وملوكها وامرائها من دون اي جدول مواعيد مسبق ما زال غير متوافر طالما انّ قطر لم تؤكد بعد للجانب اللبناني قبل اقلاع طائرة رئيس الجمهورية في اتجاهها صباح امس من سيكون حاضرا في المناسبة او من اعتذر عن المشاركة فيها.
وعليه، فإنّ اوساط رئيس الجمهورية تراهن على مثل هذه اللقاءات في احدى دول مجلس التعاون الخليجي خصوصا ان حضر قادة آخرون منه، بهدف البحث في ما يمكن القيام به لمواجهة الأزمة الديبلوماسية التي تسبق وصول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد ايام قليلة الى المنطقة في جولة تشمل، الى المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر. وما يزيد من اهمية رصد ما يمكن ان تؤدي اليه الحركة الفرنسية في اتجاه دول الخليج يعود إلى شكل وتوقيت ومضمون اللقاء الذي جمعه قبل أيام بقداسة البابا فرنسيس بعد زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للفاتيكان، وما حظي به من وعود بابوية قطعها الحبر الاعظم لمساعدة لبنان على تجاوز الأزمات التي تعصف به.
واللافت ان تحركات البابا لم تتأخر، فقد ترجم اولى وعوده بما هو متوافر من قدرات ديبلوماسية باللقاء الذي جمعه مع ماكرون في اليوم التالي متحدثاً عن خطورة ما يجري في لبنان والإتفاق الذي تم بينهما من اجل ان يكون لبنان حاضرا بقوة في جولته الخليجية. الى ذلك، فقد شملت التعهدات ان يستكمل الفاتيكان حملته الديبلوماسية الداعمة للبنان والتي بدأها قبل فترة أعقبت لقاء «الصلاة من أجل لبنان» الذي دعا اليه بطاركة لبنان والشرق في 1 تموز الماضي، مع وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية انتوني بلينكن والسعودية الأمير فيصل بن فرحان والفرنسي جان ايف لودريان وما يمكن ان يقوم به تجاه طهران وقوى دولية اخرى.
وعلى وقع هذه التحركات وما يمكن ان تغيّر من واقع الحال، لا تنتظر المراجع ان تثمر كل هذه التحركات ما يريده او يأكله اهل السلطة في لبنان. فالمخاوف تتزايد نتيجة عدم القدرة على مواكبة هذه التحركات بمبادرات ايجابية من الداخل اللبناني. والمساعي التي بذلت لدفع وزير الاعلام جورج قرداحي الى الاستقالة أفقدت الرئيس الفرنسي ورقة كان يمكن ان يستثمرها في جولته الخليجية، ولم يفهم بعد ما ستنتهي اليه لقاءات عون في قطر ومدى تأثيرها في اجراء اي تغيير في الأجواء الخليجية المتضامنة مع الرياض في مواجهة غير متكافئة على اكثر من مستوى مع لبنان.
والى هذه المعطيات، هناك أخرى تدعو الى القلق، بعدما تحدثت تقارير ديبلوماسية عن خلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي باتت تطلّ بقرنها في الفترة الاخيرة. فالخلافات المكشوفة بين الرياض وعواصم الخليج على خلفية تطورات الحرب في اليمن لم تعد سراً. والطحشة الإماراتية في اتجاه تركيا وايران تبدو كأنها ترجمة عملية للخلاف المتنامي بين هذه العواصم. وجاء توقيع مجموعة من الإتفاقيات التجارية والديبلوماسية والاقتصادية المشتركة معهما لترفع منسوب القلق لدى جاراتها الى درجة ضاعفت «النقزة» الاولى التي تسبب بها الإنفتاح على النظام السوري وزيارة وزير خارجيتها لدمشق وما ادت اليه من مواقف عبّرت عن انقسام ما زال قائماً بالنسبة الى مستقبل العلاقات مع سوريا.
على انه من المبكر بناء اي رهان على الحراك الديبلوماسي القائم وما يمكن ان ينتجه، فالخلافات الداخلية باتت مستحكمة وكل يوم يضاف اليها ملف خلافي جديد لم ينج منه أي قطاع حتى اليوم وبنحو منتظم ومتدرج. وبات السؤال المطروح ما هو الملف الجديد الذي يضاف الى لائحة الملفات المفخخة؟ وهل سيكون سياسيا ام امنيا ام قضائيا بعد إدراج العملة الوطنية على لائحة ضحايا الازمة بلا منازع.