إذا كان تجاوز سعر علبة حليب الأطفال نصف مليون ليرة وهو مفقود في الصيدليّات لم يُحرّك الشعب اللبناني، وإذا كان سعر دواء تجاوز ثمانمائة ألف ليرة وهو مفقود من الصيدليّات لم يُحرّك الشّعب اللبناني، فكيف ظنّ البعض بالأمس أنّ قطع الطرقات بالإطارات المشتعلة بإمكانه إنزال هذا الشّعب إلى الشّارع؟! المواطن العاجز عن تأمين اللقمة والكسوة والطبابة والدّواء لنفسه وعائلته، هل يملك هذا المواطن ترف النّزول إلى الشّارع ليقطع الطّريق؟ وهل سأل أحدٌ نفسه بالأمس من دفع سعر الدّواليب التي تمّ إشعالها على الطرقات، أم أنّها محاولة استدراج للشّعب باءت مرّة جديدة بالفشل؟!
العين على ڤيينّا، وحتّى تتّضح صورة المفاوضات النّووية التي ترفض إيران حتى الآن أن تشمل ملفّ الصّواريخ الباليستيّة، يبقى حالنا في لبنان على ما هو عليه ومن المؤسف أنّ الدّولة اللبنانيّة لا تزال تتجاهل مصارحة العالم بأنّ قرارها ومصير لبنان هو في يد حزب الله، أو أن تعترف الدّولة بأنّ أقصى ما تقدر عليه البقاء معطّلة حتى عن جمع الحكومة لتقوم بدورها لكانت ارتاحت وأراحت، لأنّ حزب الله أصبح مشكلة تحتاج إلى حلّ دولي على طاولة مجلس الأمن وبقرار منه، حزب الله مشكلة تركتها تتضخم على حساب الدولة اللبنانيّة ونفض الجميع يده منها تاركين لهذا الحزب أن يمعن في السيطرة على لبنان، للأسف يشبه حال لبنان اليوم حال الرّهائن الذين اختطفهم حزب الله في ثمانينات القرن الماضي للضغط بهم على أميركا وأوروبا بحسب هويّاتهم لمصلحة الجبهة الإيرانية في حربها مع العراق، حتى أنّ اختطاف لبنان ودولته وشعبه أسهل بكثير على الحزب من اختطاف رهائن أجانب!
العين على ڤيينّا، وأخوف ما نخافه أن يكون لبنان جائزة ترضية لإيران على مائدة المفاوضات أو أن يتحوّل أرض المواجهة عندما تتعقد الأمور بين إيران والأميركان في الحالتين السّلب والإيجاب سيدفع لبنان الثّمن، وفي هذا الوقت العالم المشغول بأخبار المتحوّر الجديد لكورونا الآتي من جنوب إفريقيا ويتفشّى سريعاً في أوروبا، يبدو هذا العالم متواطىء على إضمار الصمت تجاه إيران وحزبها، مع الإشارة إلى أنّ كلّ الكلام لا يقدّم ولا يؤخّر عند حزب الله ولا عند إيران، وأجندتها للبنان أو المنطقة العربيّة لأنّها ماضية في مخططاتها، سبق وكشفت تقارير كثيرة قدراتها وحزبها على اختراق العالم بالمخدّرات وتبييض الأموال لتمويل هذه المخطّطات وهذا كلّه يؤكّد أن لا أمل بخلاص للبنان من أفخاخ إيران وأذرعها!
تعبئة الوقت اللبناني الضّائع في انتظار ڤيينّا وما ستسفر عنه مفاوضاتها باستدعاء الشّارع تحت عنوان “عصيان مدني” ليست أكثر من محاولة فاشلة ولم يدرك الذين يجدون أنّ الحل الشّارع أنّ عدم رغبة الشعب اللبناني في النّزول إلى الشّارع سببها إدراك هذا الشّعب أن الحلّ ليس في لبنان ولا في المنطقة بل الحلّ في توصّل أميركا وإيران إلى حلّ، ولا مانع خلال هذا الوقت أن ينهار كلّ ما يجب أن ينهار في لبنان من الدّولة إلى النّظام الاقتصادي والليرة اللبنانيّة والمواطن اللبناني، علّ وعسى يجد العالم حلّاً لمسألة اللاجئين وإبقائهم في لبنان حتى لا تصل “مواصيلهم” إلى شواطىء أوروبا.