اجتماع ڤيينا الأول الذي ضمّ أميركا وروسيا وتركيا والمملكة العربية السعودية ما كان ليحقِّق أي نجاح في البحث عن طريقة لوقف الحرب في سوريا وعن تسوية سياسية بين مكوّنات شعبها وعن حلّ عسكري للتنظيمات المتطرِّفة. والسبب غياب الجمهورية الإسلامية الإيرانية عنه التي يرفض مشاركون فيه حضورها باعتبارها فريقاً في الحرب المشار إليها والتي يصرّ مشاركون آخرون فيه على حضورها لأنها جزء من الحل. واجتماع باريس الذي دعا إليه بتسرع رداً على استثناء بلاده من حضور اجتماع ڤيينا وزير خارجية فرنسا تحوّل عشاء بعد تأكده من العجز عن تأمين مستلزمات النجاح له. أما اجتماع ڤيينا الثاني فقد شاركت فيه إيران إلى جانب 16 دولة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. فهل يعني ذلك أن نجاحه مؤكد؟
لا يمكن إنكار أن الاجتماع في ذاته نجاح، وأن العدد الكبير للمشاركين فيه يعكس جدية في البحث عن حلّ باعتبار أن غالبيتهم مشاركة في الحرب السورية وإن بنسب متفاوتة، وأن وقفها والبحث عن تسوية تزيل أسبابها غير ممكنين من دونهم. ولا يمكن إنكار أنهم أصدروا بياناً في ختام اجتماعهم ضمّنوه موافقتهم على تسعة أمور مهمة رغم الشكوك الكبيرة في القدرة على تنفيذها. علماً أن المعلومات التي تسرَّبت عن مداولاتهم أشارت إلى الموضوعين المهمين اللذين بقيا موضع خلاف وأولهما تخلي الأسد عن السلطة وموعد ذلك، وثانيهما اشتراكه في المرحلة الانتقالية للعبور بسوريا من الحرب إلى التسوية السياسية. لكن ذلك كله، لا يكفي للقول بثقة إن “القضية السورية” بأبعادها وخلفياتها المذهبية والطائفية والإقليمية والدولية قد سلكت طريق الحل. فالبنود التسعة التي تضمَّنها البيان الختامي تتحدث عن مبادئ وضرورات لا بد من البحث في تفاصيلها توصلاً إلى تطبيقها. وهذا أمر يحتاج إلى وقت طويل. فوحدة سوريا (بند رقم 1) صارت مهددة فعلياً بعد اقتسام الحكم الفئوي والتنظيمات الأغلبية المحارِبة له والمتحاربة في ما بينها جغرافيتها بل بعد تفتيتها. وسلامة أراضيها واستقلالها اجتاحتهما ولا تزال تجتاحهما مداخلات دول المنطقة وخبرائها العسكريين وأسلحتها ومداخلات الدول الكبرى. وعلمانيتها قد لا تلاقي “قبولاً” من الغالبية بعد انفلاش الفكر الأصولي المتطرِّف عند كثيرين. وضرورة تسريع الجهود الديبلوماسية لإنهاء الحرب (بند رقم 4) يقتضي أولاً، وقبل البحث في الأسباب السورية للحرب في سوريا، إزالة أسباب الصراع بين المملكة العربية السعودية وحلفائها من جهة وإيران الإسلامية من جهة أخرى. ويقتضي أيضاً إزالة أسباب الصراع بين أميركا وروسيا وبين أميركا وإيران وبين تركيا ودول إقليمية عدة.
والاتفاق على ضرورة هزيمة “داعش” وغيرها (بند رقم 6) يقتضي قوات برية دولية مشتركة أو إسلامية – دولية، وذلك متعذر حالياً بسبب الخلافات المشار إليها. وتشكيل حكومة إنتقالية غير طائفية ووضع دستور جديد وإجراء انتخابات… (بند رقم 7) يحتاج إلى أمور غير متوافرة حتى الآن، مثل عدم الاتفاق على صلاحيات الحكومة وعلى من يمثِّل المعارضة المشتتة والمتعددة الولاءات المتناقضة. ويحتاج أيضاً إلى التفاهم المحلي – الإقليمي على نظام جديد لسوريا التي انهار نظامها، في منطقة لا تزال تبحث عن نظام جديد لها بعد انهيار سايكس – بيكو. والبحثان متلازمان. فهل حان وقتهما؟ والانتخابات كيف يمكن أن تحصل وأكثر من نصف الشعب السوري مهجَّر داخل بلاده وفي الدول المجاورة لها وفي العالم؟ وهل يستطيع مراقبو الأمم المتحدة منع “النظام” السوري من “الضغط” على المقيمين في مناطقه من سنّة وغير سنّة للانتخاب لمصلحته؟ وهل يستطيعون في أماكن لجوئهم تلافي الضغوط الانتخابية لحكوماتها عليهم؟ أما الدولة والمؤسسات السورية التي يؤكد المتطرفون في ڤيينا 2 على أن الهدف المحافظة عليها فهي غير موجودة. الدولة انهارت ومؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية. وما بقي منها وخصوصاً الأخيرة مجموعات تمثّل فريق النظام الحاكم أو بالأحرى غير الحاكم. ولذلك فإن على المجتمع الدولي أن يكون مدركاً، أو ربما غير خبيث، ويعترف بالحاجة الماسة إلى إعادة بناء الدولة والمؤسسات وليس إلى ترميمها. إذ إنه بذلك يعيد إنتاج نظام رفضته غالبية الشعب.
ماذا يعني ذلك؟ يعني استمرار الحرب في الداخل والصراعات في الخارج إلى أن “تنضج” حلول الأخيرة. فهي وحدها التي توقف حرب سوريا وحروب غيرها.