لم يثر انتباهاً كافياً البلاغ الذي صدر الأسبوع الماضي عن المعارضة السورية تعليقاً منها على الاتهام الموجّه من قيادة «حزب الله« بحقها باغتيال المسؤول العسكري الأول في الحزب مصطفى بدرالدين. وفي البلاغ المذكور أن المعارضة السورية تعلن أن أقرب موقع عسكري لها عن مطار دمشق حيث سقطت قذيفة المدفعية المذكورة يبعد 10 كيلومترات على الأقل، كما تعلن أنه ليس في حوزتها مدافع ميدانية قادرة أن تطاول أهدافاً تبعد مسافات كهذه. ويضيف بلاغ المعارضة السورية بالقول أن جل ما تمتلكه هو مدافع هاون في الوقت الذي يتطلّب قصف مدفعي كهذا مدافع من عيار 130ملم.
لسنا هنا في صدد القيام بتحليل عسكري للحادثة التي كثرت حولها التقديرات والاحتمالات وسط لغط شديد رافقها وتكتم وتحفظ في الادلاء بأي تفاصيل حاسمة من قبل قيادة الحزب، بل ما يهمنا هنا أن ندرك وبشفافية مطلقة إلى أي حد وأي حال من القصور والضعف المريب يشوب القدرات القتالية لدى المعارضة السورية.
إن نقاشاً من هذا القبيل يقودنا في الحال في اتجاهين اثنين: الأول إجراء مقارنة ولو عجلى وسريعة بين القدرات القتالية المتوفرة لدى المعارضة «المعتدلة» من جهة وتلك التي يتمتع بها تنظيم «داعش» من جهة أخرى. فالهجوم المعاكس الذي شنه «التنظيم» على موقع الرطبة على الحدود العراقية الأردنية منذ أيام كانت محصلته كارثية في صفوف الجيش العراقي والحشد العشائري على حد سواء.
الثاني: أن نجري مقارنة ضرورية بين القدرات القتالية التي يتسلح بها جيش النظام الأسدي من جهة وقوات المعارضة في حلب وريفها وصولاً لإدلب من جهة أخرى. فالطيران الحربي التابع للنظام بقاذفاته ومروحياته العسكرية مدعوماً من الطيران الحربي الروسي مباشرة يمطر الأحياء الموالية للمعارضة في حلب وفي إدلب بوابل من الصواريخ والقذائف والبراميل المتفجرة. هذا ما عدا القوات الإيرانية (الحرس الثوري) وميليشيات «حزب الله« وسواها التي تمتلك بطاريات مدافع بعيدة ومتوسطة المدى وراجمات صواريخ روسية حديثة الصنع.
وتدور في حلب الآن حرب شوارع حقيقية بين فصائل المعارضة وقوات النظام الأسدي وحلفائه إن قاذفات سوخوي الروسية ما زالت تقصف أهدافاً لها في حلب.
لم تعد خافية على أحد، سواء على صعيد الداخل السوري، ولا على المستويين الإقليمي والدولي تلك النتائج المدمرة لسياسة التخاذل الأميركية التي يقودها الرئيس أوباما. وقد أصبح من نافل الكلام إعادة ما كتبناه مراراً على مسمع الشارع العربي. فاللائمة التي تعترينا كشعور بالغضب تقع أولاً وآخراً على مجمل الخط البياني الذي يظهر ملياً التأرجح والتذبذب الذي طبع تعاطي وسلوك السياسة الأميركية مع الثورة السورية منذ بداية اندلاعها عام 2011. فالإخفاق والفشل والاضطراب ظل باستمرار مسيطراً على إدارة الرئيس أوباما ودوائر البنتاغون وأجهزة الأمن الأميركية.
أليس من المهين والمفجع حقاً ألا تملك المعارضة السورية، بعد انقضاء خمس سنوات من الثورة وكل التعقيدات والمضاعفات التي أقحم فيها بشار الأسد الساحة السورية وتحويل سوريا إلى مرتع لفصائل الإرهاب السلفي الظلامي، هذا المستوى الضئيل المتدني من السلاح المتواضع في مواجهة الأسلحة المتطورة التي نجدها في حوزة الفصائل الإرهابية والميليشيات المذهبية التي استقدمها حفاظاً على نظامه البوليسي الدموي؟ لقد تدخلت روسيا بأحدث أسلحتها المتطورة بذريعة مكافحة إرهاب داعش والنصرة بعد الفشل الذريع الذي مني به الحرس الثوري الإيراني وحلفائه في القضاء على المعارضة، ثم انقلبت على الفصائل الثورية لتحدث تغييراً كبيراً في موازين القوى لمصلحة الأسد ثم انسحبت لتعلن من موسكو بالتزامن مع واشنطن هدنة شكلية كي يفرض الأسد شروطه في جنيف3. فكيف بالإمكان اعتبار روسيا راعياً للحل السياسي للأزمة السورية وموسكو في آن معاً طرفاً منحازاً ومتورطاً في الحرب السورية؟ لا بل نصب لافروف نفسه وصياً على أطياف المعارضة نفسها الممثلة في جنيف ليدخل في صفوف مندوبيها أولئك الذين يدينون لموسكو بالولاء والطاعة.
هل بالإمكان القول الآن، بعد لقاء فيينا الهزيل، ما سبق أن أكدته وقائع مفاوضات جنيف3 «أن المفاوضات بين النظام الأسدي والمعارضة ستكون سهلة في البدايات، صعبة بل مستحيلة في النهايات»؟ ذلك أن المرحلة الانتقالية أو هيئة الحكم الانتقالي ما أن تصل إلى النقطة المتعلقة بدور الأسد حتى تتعطل المفاوضات. لأن الأسد والطاقم الحاكم في سوريا ما زالوا مصرين على أن الأسد هو المهندس والناظم والراعي للفترة الانتقالية وللهيئة المناط بها إدارة شؤون البلاد.
إن التصريحات المتصلبة والمتشددة التي صدرت من طهران، وعلى لسان غير مسؤول كبير كانت جميعها تصب في نقطة واحدة: الإصرار على بقاء الأسد في المرحلة المقبلة، أياً كانت طبيعتها وأياً كانت تسميتها: مرحلة انتقالية، هيئة حكم انتقالية إلخ… لا بل تعتبر طهران أن الأسد بصدد الترشح لولاية جديدة «شأنه في ذلك شأن أي سوري آخر».
ولم يكن مفاجئاً قط صدور تصريحات استفزازية في جنيف على لسان بشار الجعفري ملخصها أن الوفد الأسدي يرفض مسبقاً الدخول في أي مناقشات أو تداولات تتعلق ببشار الأسد.
لقد مني لقاء فيينا بالفشل، وبالأخص في ما يتعلق بموعد بدء عمل هيئة الحكم الانتقالي، فبالعودة إلى البيان الختامي الذي تلاه وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتبين لنا أن جل ما يطمح إليه لقاء فيينا أن يكون شهر آب (أغسطس) موعداً مستهدفاً أو نظرياً لبدء عمل هيئة الحكم الانتقالي. هذا في الوقت الذي كان يصرح دي ميستورا بأن أول حزيران (يونيو) المقبل هو موعد استئناف مفاوضات جنيف3. وكان لافتاً في المقابل تصريح لافروف «أن موسكو لا تدعم الأسد لكنها تقدم الدعم للجيش السوري تلك المؤسسة القادرة على مواجهة الإرهاب، وأن موسكو تسعى أن تكون جميع الأطراف (صاحبة المصلحة في الحل السياسي) لها فرصة التمثيل في جنيف3 بما فيهم الأكراد».
هكذا نصل إلى مرحلة أخرى قاتمة من مراحل الحرب السورية لا يخفف من وطأتها وآلامها اعتزام الأمم المتحدة نجدة البلدات والقرى المحاصرة إلقاء المساعدات الإنسانية من الجو خطوة يرى فيها المراقبون جانباً إيجابياً يتيماً في بحر من الدماء والدمار.