كم سيدفع «حزب الله» من أثمانٍ إضافيةٍ قبل أن يتأكد من أنه في سوريا مثلما كان الإسرائيلي في جنوب لبنان؟ وأن حربه فيها خاسرة سلفاً، وأنها أسوأ وأفظع وأكثر شراسة ودموية من تلك التي عاصرها اللبنانيون عموماً والجنوبيون خصوصاً على مدى فترة الاحتلال و»الشريط الحدودي»، بل حتى قبل ذلك بسنوات تصل إلى البدايات في العام 1948.
والتوضيح بداية، واجب الوجوب: المقارنة مع الإسرائيلي تتصل بالشكل والمضمون الأدائي وليس بالهويات.. ويُقال ذلك كي لا يأخذ الاستطراد الكيدي والأحول مداه إلى حيث لا يتناسب ولا يتناسق لا مع الأخلاق ولا مع الحرفية المهنية ولا مع أصول الصدقية وفروعها!
.. وعليه يستمر ذلك الحزب في «التجربة» السورية، وكأن ما مرّ عليه حتى اليوم لا يكفي لإقناعه بإعادة النظر في حساباته.. بل إنه يتصرّف بعصبية من فَقَد المبادرة وصار مضطراً إلى اعتماد سياسة ردّ الفعل. وهذه، مثلما يعرف هو تماماً من تجربته «المقاوِمة» في الجنوب اللبناني، واحدة من أنجح وأنجع طرق تلقّف «العدو» والفتك به برغم الكلفة البشرية والمادية الأكيدة في المقابل.
.. وهو في سوريا، فقد المبادرة، عدا عن كونه في عُرف «المقاومة» السورية عدوّاً مكتمل المواصفات، بل عداوته أمرّ من غيره!
منذ زمن وليس من الأمس، تبيّن للجميع، للمخضرم والعميق كما للمبتدئ والغرّ، أن مفاعيل الصدمة الأولى التي أحدثها إعلان تورّطه في سوريا انطلاقاً من بلدة القصير، سرعان ما تلاشت معنوياً وسياسياً وميدانياً. وانكشفت تكتيكاته بسرعة تبعاً لكون «الملعب السوري» أكبر منها بما لا يُقاس، وأكبر من قدراته على ادعاء أدوار تغييرية حاسمة هناك.
وتبيّن أكثر، بأن الأمر صار تورّطاً بكل المعاني السلبية، الظاهرة والكامنة في معطى التورّط: لا يستطيع الانسحاب لألف علّة وسبب، وفي مقدمها أن ذلك سيعني انكساراً فادحاً له وتهشيماً إضافياً لصورته، عدا عن أن الأمر سيعني تسليماً نهائياً بخسارة حرب إنقاذ بشّار الأسد.. وفي الوقت نفسه لا يستطيع الاستمرار في تلقّف الاستنزاف الخطير الذي يتعرّض له مع انعدام القدرة الميدانية لديه لتغطية أعباء جبهة مترامية الأطراف، خصوصاً وأن حالة بقايا السلطة الأسدية وصلت إلى درجة الاستعصاء ولم يعد ينفع شيء لإنقاذها.
قيل سابقاً ويصحّ التكرار، بأن سوريا هي فيتنام «حزب الله» ومن خلفه إيران.. ويبدو أن معظم المعنيين والمهتمين والمتابعين والمدققين يعرفون هذه الحقيقة، إلاّ الحزب نفسه.. فهو مستمر على افتراضه، بأنها، أي سوريا، هي إحدى بوابات السماء، وهذه تعوّض عن كل أرض!