IMLebanon

«وجهة نظر».. حول تشريع زراعة الحشيش

 

عبقت أجواء البلاد خلال الأسبوع الماضي «بالقرار المبدئي» المتخذ من قبل المسؤولين، بتشريع زراعة تجارة الحشيش وتنظيمها في إطار مخصص للإستعمال الطبي والمقوننة شرعيته لهذا الإستعمال المشرعن وحسب، جرياً على ممارسات وتشريعات مماثلة معتمدة من قبل عديد من البلدان المتقدمة والمتحضرة. وقد أرفقت هذه التوجهات المستجدّة، بجملة من التبريرات العملية والإقتصادية والإجتماعية مؤداها أن هذا التشريع المستند إلى دراسات وتبريرات شركة ماكنزي، من شأنه أن يؤدي إلى خدمات إصلاحية جُلّى تنعش الخزينة اللبنانية بما يوازي المليار دولار سنوياً، وتنعش المناطق المهملة والمتروك أمنها الإجتماعي والإقتصادي بما يعينها ويحميها من غوائل الفقر والبطالة والغوص في مهالك الفلتان الأمني على نحو ما نشهده في بعض المناطق.

أبدأ من وجهة النظر هذه معتبراً هذه المداخلة في هذا الموضوع، بالذات، مداخلة إجتماعية ووقائعية وتحسسية محضة، ولا علاقة لها بأي رأي يخالفها لأسباب دينية أو إجتماعية يعتمدها البعض لأي سبب من الأسباب التي تتجاوز الملاحظة والرأي الموضوعي، فللمتحفظين على هذه المبادرة التشريعية رأيهم ودوافعهم التي قد تكون متماشية مع المصلحة العامة للبلاد وقد لا تكون.

هذه المداخلة أرفقها بجملة من الملاحظات التي لا يمكن أخذها بعين الإعتبار من قبل الساعين إلى إقرارها تشريعياً وتنظيمها قانونياً، وهي في مطلق الأحوال، تصب في إطار مصلحة البلاد العامة، وتجنّب هذه المبادرة المدروسة على ما يبدو من قبل أهل الإختصاص والتقدير والمعرفة البيئية والزراعية والإقتصادية، الوقوع في مزالق أوضاع سابقة عايشناها وعاشها شبابنا وشاباتنا على مدى سنوات طويلة، وكانت مدار شكوى الآباء والأمهات في ما رآه البعض منهم إنزلاقات حادة وضياعاً للنفس والمستقبل في حياة الكثير من أبنائهم، سواء في المدن أم في الأرياف أم في الأوساط الغنية أم الأوساط الفقيرة والمتخلفة، وسواء في المعاهد والجامعات، أم في أي موقع من مواقع اليأس والقنوط لناشئينا وشبابنا من أحوال البلاد والعباد في هذا البلد الذي لئن كان يشرّفه أن يقارَنَ ببلدان متحضرة وعظيمة، بلدان لها دول وحكومات وقوانين وتشريعات، وسلطات قادرة على فرضها والسير على نهجها، فنحن جميعا أدرى بحالنا وأوضاعنا في هذه البلاد، وبمقدرتنا على ضبط الأمن وممارسة الفساد بكل وجوهه، بما في ذلك تلك المزالق المرتبطة بترويج وتهريب المخدرات على أنواعها كافة والمتاجرة بها من قبل أفراد ومجموعات، وبعص الميليشيات الحزبية التي أباحت زراعة الحشيش واستعماله للإحتياجات الطبية، إلاّ أن تعاملها لم يكن يقتصر على الترويج البريء والطاهر والمتلطيّ خلف ذرائع المعالجة الطبية ولغايات شريفة تبتغي مداواة المرضى والتخفيف من آلامهم ومعاناتهم، وان المطالبة الحالية، من قبل كثير من المسؤولين وغير المسؤولين لتشريع بيع وتصدير ما يسمى بحشيشة الكيف، في وسائل الإعلام الرسمي أن لبنان الحالي (أي قبل أن يصدر هذا التشريع المنتظر وقبل أن تصبح تجارته مشرعنة ومنظمة من قبل الدولة) هو ثالث بلد مصدّر للحشيشة في العالم، ولا نخال هذا التصدير المهرّب بألف طريقة وطريقة وبخبرة متناهية لدى المهربين اللبنانيين مخصص وموجه لغايات طبية فقط، قد تكون هذه الغاية الشريفة إحدى أوجه المتاجرة والتصريف، إلاّ أن الأكثر واقعية أن نقول إن معظمه مهرّب كمخدّر يتعاطاه المدمنون سواء كان مهرباً فعلاً إلى الخارج، أم «مهرّباً» إلى الداخل أم مهرباً من كبار التجار والمتمكنين من مفاتيح التهريبات الموصوفة أم المتقنين لعمليات توزيع الحشيش وسواه على المدى اللبناني كله.

نقدر ونحترم لكل من رأى في هذه المبادرة فائدتها المعيشية والإقتصادية لمزارعي الحشيشة وللطموح المسؤول في أن تكون موردا هاما من موارد الإقتصاد اللبناني كالسياحة والتجارة العامة والصناعة، كبيرها والصغير، كما نقدر الرغبة في تأطيرها ضمن نطاق «ريجي» منظم ومطوّق بقوننة طائلة وقادرة على ضبط الإنحرافات المحتملة، وفي الوقت نفسه، نضع أنفسنا جميعا أمام الإحتمال التالي: لو أن مزارعاً اقتطع لنفسه ولنشاطاته الخاصة جزءا من هذا الحشيش المشرّع والمعد للتصدير البريء براءة الطب من أي لغط أو تسيّب، وخصّصه لنشاطاته الحرة في الداخل (وربما في الخارج) والتي سيكون استعمالها اللاشرعي أكثر جني وعطاء، ألا يُعد ذلك بابا مشرعا للأضرار والأخطار والإحتمالات بأن يكون تصريف هذا الحشيش على حساب من نتخوف جميعا من أن تصل إليهم آثار لا يرغبها أحد لولده أو لأي عزيز عليه أو لأي مواطن قد تضاف إلى معاناته المعيشية، تلك الإحتمالات القاتمة التي قد لا تكون الإحترازات المعتمدة من قبل الدولة والسلطة وقوى الأمن المختلفة، كافية لردعها وتجنب آفاتها على المجتمع؟ فهي حال مؤسفة يعاني مجتمعنا منها حتى الآن، ومع كل تشجيعنا لأي هدف طبي بريء والسبب والغاية، ومع تشجيعنا لكل ما من شأنه أن ينعش وضعنا الإقتصادي المتراجع، نخشى ان نقع في مزالق أخرى نترحم فيها على أيام التراجع الإقتصادي في مقابل التقدم الإدماني، الأمر الخطر الذي قد يتسلل إلينا من باب الشرعنة، ورغم أملنا في أن تتحقق هذه المبادرة التشريعية المؤدية إلى مساهمات ولو جزئية في رفع المستوى المعيشي والإجتماعي والإقتصادي في هذا البلد، وفي بعض مناطقه التي تشكو من البطالة والحاجة إلى النهوض من مستويات عيشها المحفوفة بالقسوة والمعاناة، فإننا بانتظار الإجراءات الإحترازية التي ستتخذها الدولة وتشريعاتها وإطاراتها التنفيذية أمام احتمالات في هذا الحدّ من الخطورة.