الاقتصاد الأميركي في حال جيدة ونمو متصاعد. البطالة انخفضت من أكثر من 9 في المئة عندما تسلم باراك اوباما الرئاسة الأميركية في كانون الثاني 2009 إلى 5.8 في المئة الشهر الماضي. كذلك البورصة، بعدما انخفضت أكثر من 25 في المئة في آخر أيام الرئيس جورج بوش الابن، ارتفعت اليوم إلى حوالي الضعف.
تشير الاستقصاءات أيضاً إلى أن الشعب الأميركي يدعم الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية للرئيس اوباما. لا يريد الأميركيون خوض حروب جديدة بجيوشهم الأرضية خاصة في الشرق الأوسط، لكنهم لا يمانعون في مساعدة حلفائهم في المنطقة من الجو والبحر. كذلك يدعم الأميركيون الرئيس اوباما في معالجة ملف البرنامج النووي الإيراني بالطرق السلمية والحوار مهما استغرق ذلك من الوقت.
برغم ذلك، خسر الحزب الديموقراطي الانتخابات الأميركية، وكان الرئيس اوباما السبب الرئيسي للخسارة. انتخب الأميركيون 36 شيخاً و435 نائباً، وأصبح الكونغرس بمجلسيه جمهوري الأكثرية. انتخب الأميركيون أيضاً أكثرية جمهورية في انتخابات 36 حاكم ولاية، ومعظم مجالس الشيوخ والنواب المحلية في الولايات. فما هي إذاً مآخذ الناخب الأميركي على رئيسه؟
أجمعت ثلاثة كتب صدرت خلال هذا العام، وأصحابها وزراء سابقون للدفاع والخارجية في عهد الرئيس اوباما، على ان فريق عمله في البيت الأبيض امسك بالقرار في الوزارات المختلفة، وهم من دون خبرة عملية أرضية تقيهم الفشل في معالجة المشاكل التي تواجه الاميركيين. إن إدارة البيت الأبيض لأزمة استعمال السلاح الكيميائي في سوريا والتحدي الذي افرزه احتلال «داعش» غرب العراق وشرق سوريا يعطيان المثل على سوء الإدارة عند الرئيس اوباما. المثل الأوضح داخلياً سوء إدارته تطبيق قانون الصحة الجديد (Obamacare) بعد أربع سنوات من العمل على اقراره وتطبيقه. وتعطي المؤلفات التي صدرت أمثلة كثيرة عن الفوضى في اتخاذ القرار وتنفيذه. كل ذلك لم يغب عن بال الناخب الأميركي عندما قصد صندوق الاقتراع في مطلع هذا الشهر. دفع الحزب الديموقراطي غالياً لسوء الإدارة، لا الأهداف، التي رافقت إدارة الرئيس اوباما منذ العام 2009.
السؤال الآن عن تأثير نتائج الانتخابات على السياسة الخارجية لإدارة الرئيس اوباما، وخاصة سياسته تجاه الشرق الأوسط.
اولاً: بينما القرارات في مجلس النواب الأميركي تؤخذ بالأكثرية العادية، فإن معظم قرارات مجلس الشيوخ تؤخذ بأكثرية 60 شيخاً من العدد الكامل للشيوخ، ويبلغ مئة شيخ. لدى الجمهوريين في مجلس الشيوخ الجديد 54 شيخاً.
ثانياً: لرئيس الجمهورية الحق والواجب في رسم السياسات الداخلية والخارجية للبلاد وتنفيذها، وفي إمكان الكونغرس التأثير عليها وتغييرها من خلال إمساكه بالقرار المالي. لذلك يشار إلى ان لا تأثير كبيراً للكونغرس على أي اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، وفي إمكان الرئيس اوباما – في حال تم اتفاق معها – إلغاء كل العقوبات التي فرضها البيت الأبيض عليها منذ العام 1979. لكن لا يمكنه إلغاء العقوبات التي صدرت عن الكونغرس بموافقة الرؤساء الأميركيين منذ ذلك الوقت.
لا ينتظر أي تغيير في السياسة بالنسبة إلى الحرب على «داعش». لن يضغط الكونغرس على الرئيس لإرسال جيوش إلى العراق، لكن سيدعمه إذا قرر إرسال إمدادات بشرية ومادية جديدة. كذلك، لن يقيم الرئيس اوباما منطقة عازلة على الحدود السورية مع تركيا وإن اجمع الكونغرس عليها. لن يقدم الرئيس اوباما على أي عمل في سوريا يضعف الجيش السوري أو يلغيه كما يريد رجب طيب اوردوغان وكما حصل في العراق العام 2003، وفي ليبيا العام 2011.
في ما يتعلق بالمفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، يتوقع المراقبون استمرار الرئيس اوباما في سياسته بالضغط على إسرائيل للقبول بمبدأ الدولتين في فلسطين التاريخية، لكنه لن يقدم على معاقبتها في حال استمر رفضها محاولاته. في هذا المضمار لا خلاف جدّياً للكونغرس مع البيت الأبيض.
أخيراً لبنان. أيضاً ستستمر السياسة الحالية الداعية إلى الاستقرار والتفاهم الأدنى بين الافرقاء، ولن يقدم الكونغرس على الضغط على إدارة اوباما للقيام بمبادرة ما مهما كثرت الاتصالات والمؤتمرات غير المثمرة، وربما المضرّة، في واشنطن كما حصل الشهر الماضي.
لذلك، وبانتظار رئيس جديد للولايات المتحدة، ستبقى السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، والى حدّ بعيد، من دون تغيير جذري.