IMLebanon

يقظة الخوف … تهويل؟

أغرب ما يصدره المشهد الداخلي، المتجه سريعاً جداً الى خليط فوضوي اجتماعي وسياسي، انه ايقظ هواجس الحقبة التي سبقت حرب ١٩٧٥ من زاوية الخشية من بعض استعادات تبرز الآن في الاحتدامات المتصاعدة على خلفية أسوأ ازمة سياسية أدت في حصيلتها الى انفجار التحرك الاحتجاجي. هذه الخشية تعود الى توجّس من تقدم المسألة الاجتماعية كواجهة حجبت في وقت قياسي كل مسببات الأزمات السياسية والامنية المزمنة بل تكاد تهمشها، على جسامة الدور الذي لعبته هذه الأزمات في تفجير النقمة الاجتماعية، عن حق او عن خطأ ، لا يمكن تجاهل اهمية استفاقة هذه المخاوف، حتى لو بدت متسرعة ، خصوصا متى برزت في الواقع الداخلي عوامل تنذر بانهيارات لا احد يملك اجوبة مطمئنة الى امكان الحد منها ووقف تداعياتها الامنية .

والحال ان ما يبرر هذه الخشية ظهور معادلة ولا اغرب وهي، ان لبنان لم يستشعر الخوف على الاستقرار الذي ساده وسط زلازل المنطقة في عز الاستهدافات الارهابية التي تعرض لها سابقا ، في حين ان اي اهتزاز يعد طبيعيا على خلفية صراعات اجتماعية بات يثير عندنا الخوف على هذا الاستقرار. ولعل الأغرب ايضا انه اذا كان مفهوما ان تنشأ الخشية على الاستقرار من الانقسامات الطائفية والمذهبية واصطفافات المعسكرات المرتبطة بمحاور اقليمية، فان ذلك ينبغي ان يسقط عند تحول في الصراع برزت معه عوامل اجتماعية عابرة للطوائف والاصطفافات التقليدية ، بل ان ثمة ما يشجع هنا على ان يشكل هذا التحول عامل أمان اكبر لحماية البلد . ومع ذلك لا يمكن المكابرة في زحف الخوف اخيراً الى الكثير من النواحي الداخلية . مهما قيل في هذا الخوف ومبرراته سيكون خطأ فادحاً التعامل معه من منطلق شيطنة أصحابه ولصق الاتهامات الجاهزة والمعلبة بهم، خصوصا من ذاك النوع المسطح بل الديماغوجي الذي يختصر كل نزعات الخوف الموروث بانها مثلا على سبيل التهويل والتخويف وتثبيط الهمم وتكبير الحجر وتهبيط الحيطان لإحباط التحرك الاحتجاجي واهدافه الإصلاحية والتغييرية المفترضة. قد يكون بين اهل السياسة كثيرون ممن ينطبق عليهم هذا المقياس، ولكن ذلك لن يسقط في اي حال الهشاشة الهائلة لوضع داخلي يذهب في اتجاهات شديدة الالتباس وربما الخطورة، متى بدا اللبنانيون غارقين حتى آذانهم في انهياراتهم الزاحفة التي لا تشبه الا تلك الحقبات المشؤومة التي اشتعلت فيها الاضطرابات الداخلية، في كل مرة كانت الدولة تتحول الى شاهد زور متفرج وعاجز ومرتبك، شأنها شأن ناسها ومواطنيها . وهي مسألة مشي على الحبال المشدودة التي تضع الدولة كما القوى السياسية كما جماعات التحرك المدني سواء بسواء امام اختبار شكوك الذين تتلبّسهم لعنة الخوف الموروث ، هؤلاء الذين ينفخون اللبن لأنهم اكتووا بالحليب .