أحيت الانتخابات البلدية انقسامات عائلية «تاريخية» في بلدة رميش الحدودية في قضاء بنت جبيل. وفيما «يركب» توافق عائلي وحزبي في مرجعيون، أفرزت الانتخابات صراعاً درزياً ــ مسيحياً على تقاسم بلدية ابل السقي
تأخذ الانتخابات البلدية في القرى والبلدات المسيحية في بنت جبيل ومرجعيون، بعداً عائلياً كبيراً، مع تأثير محدود للقوى والتيارات الحزبية. رميش، واحدة من كبريات القرى الحدودية في قضاء بنت جبيل، بلغت فيها المنافسة العائلية ذروتها، وبعثت الانتخابات البلدية أحقاداً تاريخية مرّ عليها الزمن، بين ما يسمّى «الكلاسنة» الذين يشكلون «العائلات الأقدم في البلدة التي يعود تاريخ وجودها الى عام 1865»، ولائحتهم «التحالف الرميشي»، وتحالف عائلات الحاج ــــ شوفاني ــــ العميل ــــ عساف… الذين شكلوا لائحة «رميش أولاً».
يحاول الفريقان «لملمة» الأصوات عبر التواصل مع النازحين والمغتربين، نظراً الى تقارب أعداد الأصوات. ووصل التنافس إلى حد دفع بعض رجال الأعمال نفقات السفر لناخبين مغتربين. وفي مشهدٍ مضحك مبك، يسود الحديث عن أن الخلاف بين الفريقين، يعود إلى عام 1880 عندما تم تشكيل اتحاد «الكلاسنة»، في مواجهة عائلات «السلطة» الذين «ازداد عددهم حينها واستطاعوا فرض سيطرتهم على البلدة»، بحسب أحد الأهالي. ويشير ابن البلدة عطا الله مارينا الى أن «التحالفات العائلية هذه تنامت قبيل انتخابات 2002 واستقرت على ما هي عليه، لكن أصبحنا اليوم نشهد خروقاً واضحة لأسباب تتعلق بالمصاهرة وتقاسم المصالح»، لافتاً الى أن لائحة «رميش أولاً» تضمّ أربعة مرشحين لتقاسم رئاسة البلدية، سنة ونصف سنة لكل رئيس، بهدف ارضاء العائلات الكبرى، وهي سابقة في لبنان، ومن الطبيعي أن تؤثر سلباً على العمل التنموي وادارة العمل البلدي.
عدد ناخبي بلدة رميش يزيد على 5000 ناخب، وتصل نسبة الاقتراع فيها الى أكثر من 60%، ويشكو البعض من «التأثير السلبي لأجواء الانتخابات على العلاقات بين الأهالي، سيما أن العديد من الناخبين بدأوا يمارسون مقاطعة اقتصادية للعائلات المنافسة لهم».
وفي بلدة القوزح (بنت جبيل) تم تشكيل لائحتين من عائلات البلدة الست، «وهو تحالف يرتكز على نزاعات عائلية سابقة»، أيضاً بحسب أحد السّكان.
أما في بلدة عين إبل، فتشكلت لائحة «التوافق العينبلي» برئاسة عماد اللوس، وهي تضم عدداً من الكفاءات المعروفة، في مواجهة سبعة مرشحين منفردين من أبناء البلدة المقيمين. ولفت أحد أبناء البلدة الى أن «الانتخابات شبه محسومة للاّئحة بأعضائها الخمسة عشر، لأنها مدعومة من القوات اللبنانية، ورجل الأعمال شارل الخوري صادر، الذي حقق في الانتخابات الماضية فوزاً كاسحاً على منافسيه، بعدما ضم ممثلين عن عائلة ذياب، الأكبر في البلدة». ويرى ابن البلدة حنّا دياب أن «أبناء عين ابل باتوا غير متحمسين للانتخابات البلدية، ولا سيما ان معظمهم من غير المقيمين، ولا ترتفع نسبة المقترعين عادة عن الثلاثين في المئة».
أمّا في مدينة مرجعيون، مركز القضاء، فيجري العمل بشكل هادئ لجمع العائلات المتنافسة في لائحة توافقية. والأمر ليس صعباً من الناحية العملية، لوجود توافق بين الأحزاب السياسية في التيار الوطني والحزب السوري القومي الاجتماعي والكتائب والقوات اللبنانية على دعم الرئيس الحالي أمل الحوراني، الذي «لا منازع له على رئاسة البلدية، كونه من رجال المال الكبار وقدّم الكثير من المشاريع التنموية الناجحة، لكن المشكلة في اختيار الأعضاء» بحسب مختار البلدة سامي عبلة، الذي رجح «أن يعلن فوز البلدية بالتزكية في اليومين المقبلين».
أما البلدات المسيحية الأخرى في القضاء، تشهد معارك عائلية حامية، ولا سيما في القليعة التي أعلنت فيها لائحتان، الأولى «القليعة الغد» و«القليعة الحرة»، إضافة إلى عدد من المستقلين. ويدعو أبناء البلدة إلى «ضرورة التوافق ومنع الاحتقان، بعد فشل المجلس البلدي السابق الذي تم حلّه في العام الماضي، بعدما رفض الرئيس الاستقالة لانتخاب رئيس جديد لثلاث سنوات جديدة، حسب الاتفاق بين العائلات أثناء الانتخابات، ما جعل أعضاء البلدة التسعة يقدمون استقالاتهم دفعة واحدة، حفاظاً على التوافق العائلي».
وتتجه الانتخابات البلدية في دير ميماس إلى معركة خجولة، بعد تشكيل لائحة توافقية تضم مختلف العائلات وأحزاب الكتائب والشيوعي والقومي والتيار الوطني الحرّ، بعد استبعاد القوات اللبنانية، في مواجهة مرشح منفرد رفض الاستقالة، وجرّ البلدة الى انتخابات محسومة النتائج. أما بلدة إبل السقي، التي استقال أعضاء بلديتها جماعيا عام 2012، فإن نزاعاً مستجداً درزياً ــ مسيحياً وقع بعدما ارتفع عدد أعضاء المجلس البلدي من 12 إلى 15 عضواً. ويقضي العرف السائد بتقاسم الدروز والمسيحيين المقاعد مناصفة، على أن يكون الرئيس مسيحياً، ولكن ارتفاع العدد الى 15 جعل الأمور أكثر تعقيداً، لذلك فإن «خوض الانتخابات بين لائحتين قد يعقد الأمور، ويعزز الخلافات اذا كان الناجحون لا يحققون توزيعاً عادلاً بين الطائفتين». وبحسب مصدر بلدي فإن «الانتخابات تحتاج الى تدخل فوري من المراجع السياسية لئلا يؤدي ذلك الى استقالة جماعية جديدة».