التفجيران الكبيران اللذان حدثا في العاصمة السورية دمشق، أول أمس، وأسفرا عن وقوع عدد هائل من الإصابات بينها 74 قتيلاً، يفتحان الباب على السؤال الكبير: كيف؟ ولماذا؟
إنّ الذين يعتقدون أنهم سيقضون على العنف بأوجهه كافة، وسيوقفون هذه الأعمال، يفوتهم أنّ تجارب الماضي الكبير تثبت العكس.
لنأخذ مثلين صارخين ممّا جرى في منطقة الشرق الأوسط في العقدين الأخيرين وحتى اليوم، فنبدأ بما شهدته أفغانستان من تدخل سوڤياتي، يوم كانت موسكو السوڤياتية الدولة العظمى الثانية في العالم… فأرسلت جيوشها الى هذا البلد المسلم لتثبيت نظام شيوعي قام فيه بغفلة من الزمن ضد إرادة الشعب الافغاني وضد تراثه وتاريخه…
والنتيجة انهزم السوڤياتي وعاد على أعقابه، ليحل محلّه الاميركي… وإذا بالنتيجة ذاتها، فنحو خمس عشرة سنة لم يستطع هذا التدخل الهائل الضخامة أن يحقق أياً من أهدافه… وفي المحصّلة صارت “طالبان” أقوى، وتمدّدت من أفغانستان الى الباكستان أيضاً.
والعراق واضحٌ أنّ الأكاذيب الاميركية الثلاث التي اتخذها جورج بوش ذريعة للتدخل فيه قد فشلت كلها، فلم يكن في العراق أسلحة دمار شامل، ولم يكن فيه “القاعدة”… أما الديموقراطية فرحمة الله على أيام صدّام حسين… خصوصاً وسط بحر الدماء والعمليات التفجيرية التي يشهدها هذا البلد العربي يومياً تقريباً.
وبالنسبة الى سوريا جاء الأميركي، ثم جاء الروسي، والاثنان يزعمان الدفاع عنها، وفي ظل هذا “الدفاع” وذاك “الحرص” المزعومين قتل النظام 600 ألف مواطن سوري وهجّر 12 مليوناً من الشعب، ودمّر المدن والأرياف، لا فرق بين بيت سكني وموقع عسكري، وبين جامعة ومدرسة ومستشفى الخ…
والواضح أنهم يعالجون العنف بالعنف ولا يذهبون الى الأسباب التي هي وراء هذا العنف.
روسيا لم تقدر أن تطوّع أفغانستان وكذلك أميركا لم تستطع أن تطوّعها ولا هي حققت في العراق إلاّ مسلسل المآسي والفواجع(…)
فهل يظنون أنهم إذا تغلّبوا على “داعش” ستنتهي المشكلة ويحلّون أزمة سوريا؟!.
يوماً بعد يوم يبدو أنّ التطرّف صار أكبر، أمّا المتطرّفون فصارت أعدادهم أكثر…
وطرأ عنصر آخر هو الفتنة السنية – الشيعية التي ضربت أطنابها في المنطقة بـ”فضل” المشروع الايراني الفارسي، الذي قد لا يكون مبالغاً فيه القول إنّه، أي هذا المشروع، يبدو مدعوماً (أقلّه حاصلاً على الموافقة) من قوى عظمى… برغم “البروباغندا” الكاذبة التي يطلعون بها على العالم.
من هنا نقول إنّ التفجيرين في دمشق، يوم أول أمس، ليسا الأوّلين ومن أسف لن يكونا الأخيرين… إذ يجب معالجة الأسباب، تمهيداً لإزالتها، بدءًا بإنهاء دور آلة القتل والقمع التي تضع الشعب السوري كله في سجنٍ كبير.