لم تعد المجازر التي تُرتكب في سوريا محصورة بفئة دون أخرى، إذ إن جميع الفئات التي تقاتل هناك وفي مقدمتها النظام السوري، قد تلطخت أيديهم بالدماء بعدما تحوّل جزء كبير من عناصرها إلى إرهابيين يُقاتلون ويقتلون باسم الدين والعقيدة متفلتين من الضوابط الدينية والأخلاقية، إما رغبة بالانتقام وإما حبّاً وتلذذاً بطرق التعذيب التي باتت تبتكر وتتبدّل بين طرف وآخر.
يُجمع السوريون على أن المجازر التي تُرتكب في وطنهم، هي بعيدة عن أهل البلد، ويحمّلون مسؤوليتها لأطراف خارجية وفدت إلى سوريا لتقاتل تحت مسميات عدة، مثل اعتبارها «أرض جهاد« على حد وصف التنظيمات المتشددة، أو مسرح تهيئة لقيام الساعة وظهور «المهدي المنتظر» كما تدّعي بعض الروايات التي ينسجها أتباع «حزب الله»، وفي الحالتين يُبرّر كل طرف جرائمه بحسب ما تستدعي ظروف كل معركة وإن كانت كل الأطراف تجد لجرائمها مبررات من خلال الأساطير والتأويلات لكن مع اختلاف في المصادر والمرجعيات.
بشكل غير مسبوق، انجرف العديد من عناصر «حزب الله» في سوريا نحو العنف، حتى أصبحت لا تقل ارتكاباتهم فظاعة عن تلك التي تنفذها جماعات توصف بالمتشددة والتي تقوم بتوثيق جرائمها بالصوت والصورة ومن ثم بثّها على شبكة «الإنترنت». فهذا عنصر من الحزب يقف الى جانب جثة مقاتل ويطلب من صديقه التقاط صورة له أثناء إشعالها بالنار، ليبدو المشهد أقرب إلى الخيال، وهو ما يُعتبر نمطاً جديداً في طريقة تعاطي عناصر «حزب الله» مع خصومهم وفي سلوكهم وتصرّفاتهم، خصوصاً وأنهم لم يسبق لهم أن ارتكبوا أفعالاً مُماثلة بحق جثث جنود إسرائيليين من قبل.
صورة أخرى توثّق إعدامات ميدانية بالجملة أبطالها عناصر من «حزب الله» يقومون بقتل عدد من الأسرى الجرحى في سوريا، في مشهد تتسابق فيه هذه العناصر لنيل شرف القتل تحت غطاء الدين بعد تصويب بنادقهم باتجاه الرؤوس لتتم عملية التصفية بشكل إجرامي بحت. في هذه اللحظة يتدخل قائد المجموعة ليطلب من عناصره قتل الأسرى تحت ما يعتبره «تأدية التكليف» وليس حبّاً بالانتقام، ما يضع الحزب أمام الرأي العام العربي والعالمي، في خانة التنظيمات المتشددة التي ترتكب الجرائم لتعود وتمنح بعدها التبريرات الدينية لعناصرها أقّله في سكوتها عنها.
حول انسياق عناصر «حزب الله» في سوريا وراء موجة التنكيل بالأحياء وبجثث القتلى ومدى تأثيرها على سلوك الفرد منهم من الناحيتين النفسية والاجتماعية، تقول أستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية د. منى فياض «الحرب بالنسبة إلى الجماعات المتشددة في سوريا بما فيهم «حزب الله»، تُشبه إلى حد ما الأشخاص الذين يدّخرون كل ما قاموا بتجميعه خلال فترة طويلة لينفقوه على مآكلهم وشرابهم وبسطهم في ليلة العيد. وكذلك الحال بالنسبة الى هؤلاء، فهم ادخروا غضبهم وسلوكهم منذ الصغر ونزعاتهم وغرائزهم، ليفرغوها جميعها في هذه الحرب».
وتقول: «قد لا يكون لدى المقاتل أي نزعة نحو العنف وارتكاب الجريمة، لكن عندما يرى آخرين يرتكبون أمامه كل هذه الفظاعات، ينساق بشكل لا إرادي إلى النزعة ذاتها إلى ان تُصبح الأمور بعدها أمراً عادياً بالنسبة اليه، خصوصاً أن «حزب الله» يعتبر حربه هذه في سوريا مقدسة وقد حضّر لها منذ عشرات السنين من خلال تسويقه روايات تتحدث عن قرب ظهور «المهدي المنتظر» بالإضافة إلى إظهاره عدو اليوم في سوريا، على هيئة كافر ووحش يريد أن يُنكّل بالشيعة ويُبيدهم. هنا يبدأ العنصر في الحزب بالانجرار نحو ارتكاب بهذا العدو تحت حجّة «إن لم أقتله بهذه الطريقة، فسيقتلني هو بطريقة أفظع».
ترفض فياض المقارنة بين مقولة إن الجيوش عندما تطول حروبها تتحول إلى ميليشيا تطبق أفعال وارتكابات الجماعات المُسلحة، وبين واقع «حزب الله»، فبرأيها أن «الحزب تربّى ونشأ على أصول دينية وثقافية وأدبية، وهو ينتمي إلى مدرسة عقائدية رفعت شعار «هيهات منّا الذلّة» في قتالها كما في حركتها الكشفيّة، ولذلك من المستهجن والغريب والمستنكر، أن نرى عناصره ترتكب جرائم حرب في سوريا خصوصاً أنه لم تحصل أمور مُشابهة خلال حروبهم مع إسرائيل. والأسوأ من هذا كلّه هو سكوت قيادته وعدم إصدارها أي فتاوى تمنع مواصلة عناصرها ارتكاب المجازر».
وترى أيضاً أن «هناك عناصر سواء من حزب الله أو غيره، لم تذهب للقتال في سوريا من منطلق عقائدي، بل بهدف كسب المال، من دون أن ننسى أن البعض الآخر رأى في هذه الحرب متنفساً له لينتقم من الغير إمّا بسبب تربيته الخاطئة داخل بيئة متزمتة تدعو باستمرار الى القتل والى تهيئة الأرض لظهور مُخلّصها الذي تؤمن به وذلك من خلال التخلّص من المُفسدين، أو بسبب نزعات انتقامية موجودة بداخله منذ الصغر»، مشددة على أن «حزب الله كسر المُحرّمات بذهابه إلى سوريا بعدما دخلها لقتل الأبرياء والآمنين في بيوتهم».