IMLebanon

عروض افتراضية قد تُشكل مخرجاً لأزمة الرئاسة فمن يجرؤ على مناقشتها مع “سيد الرابية” ؟

يكاد يكون من باب المستحيلات ان تأخذ من قيادة “حزب الله” كلاما جديدا عن مسألة الرئاسة الاولى واحتمالاتها، خصوصا بعد تزكية زعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية مرشحا لملء الفراغ الرئاسي وما اعقب ذلك من ارتفاع اصوات من كلا المعسكرين السياسيين في البلاد تحض على الاسراع في اعادة اضاءة الانوار المطفأة منذ نحو عامين في قصر بعبدا.

فالحزب متمسك حتى الساعة بما سبق له ان اعلنه منذ اليوم الاول لانفتاح ابواب المعركة الرئاسية : مرشحنا العماد ميشال عون او من يسميه اذا شاء هو الانسحاب. ولقطع الطريق امام اجتهادات اخرى كان لسيد الحزب السيد حسن نصرالله سبع اطلالات اعلامية متوالية اعادت تأكيد المؤكد واعادت ايضا ضمنا نفي اية بدائل اخرى يمكن ادراجها في خانة الخطة “ب” . والامر نفسه اعاد رموز الحزب تكراره ولو بعد فترة قصيرة من الصمت في اعقاب مبادرة الحريري الى تسمية فرنجية مرشحا لهذا المنصب تحت عنوان اغرائي هو ان الرئاسة ستكون حتما معقودة اللواء لفريق 8 اذار اذا ما سار الحزب بهذا الخيار.

ومع كل الوقائع المتراكمة ثمة من ظل يقرع على مسامع الحزب سؤالا مفاده : ما هي الاثمان المطلوبة لكي تتخلوا عن عنادكم الموصوف وتفتحون ابواب النقاش حول الخيارات الاخرى المعروضة عليكم ، ومنها خيار فرنجية ، بغية طي صفحة الفراغ ووضع حد لمادة يتوسلها الخصوم للضغط عليكم تحت ذريعة انكم تعطلون عملية اعادة الرأس المقطوع للجمهورية؟

ولكن الابتسامة النصفية عينها كانت ترتسم على محيا بعض قيادات الحزب وهم يردّون بايجاز: “عون او من يسميه. ولدينا يقين بأن دون ذلك شغورا رئاسيا قد يمتد ويمتد”.

ومع هذا الجواب الذي لا تجد فيه ثغرة وفق المصطلح القانوني للنفاذ الى احتمال آخر، استمر الحاف الملحفين الى ان عثروا على ضالتهم المنشودة في قراءة تحليلية متكاملة لأزمة الاستحقاق الرئاسي لدى قيادات مخضرمة تدور عمليا في ساحات الحزب ومهمتها الاتصال والتواصل والتنسيق بين مكونات قوى 8 اذار من جهة وبين هذه المكونات ودمشق من جهة اخرى . مدخل هذه القراءة ان العماد عون ليس رقما سهلا في معادلة الصراع في المنطقة حتى يأتي حين من الدهر ويستغنى عنه ، فهو بمعنى اوضح حجر من حجار الزاوية في معادلة محور الممانعة لا يمكن احدا ان يحل محله، واستطرادا هو جزء اساسي في معركة المصير التي يخوض هذا المحور غمارها في ساحات عدة وفي مقدمها الساحة السورية منذ خمسة اعوام واكثر من دون ان يكون لاعبا مباشرا في هذه المعركة كـ “حزب الله”، فهو زعيم اكثر من نصف مسيحيي لبنان وهو ايضا مرجعية من مراجع مسيحيي الشرق ، وعليه هو دفع ولا يزال من اجل انحيازه الواعي والمطلق لهذا الخيار اثمانا باهظة.

وعليه فان التخلي عنه او خذلانه تحت اي عنوان من العناوين في مرحلة احتدام المواجهات معناه تخل طوعي ومجاني عن احد تلك المداميك الاساسية لهذا المحور، فضلا عن الالتزامات الاخلاقية والسياسية الجلية حياله.

وتكمل تلك القيادات قراءاتها التحليلية لتصل الى ما تعتبره سلة حل متكامل للخروج من المأزق الرئاسي ومدخله الشرعي جلسة مباشرة مع العماد عون للتداول معه في موضوع الاثمان اللازمة للخروج من مأزق الشغور انطلاقا من مسلّمة اطلقها السيد نصرالله اكثر من مرة وعنوانها ان الرابية هي الممر الاجباري لمعركة الرئاسة وعليكم زيارتها. وتقول هذه القيادات ان كل المعنيين بالموضوع يعرفون ذلك ، فلماذا يذهبون الى الاقاصي ولا يقصدون الرابية حيث المبتدأ والخبر؟ واذا ما كانوا على ممانعتهم من وصول عون فثمة عرض يمكن عون ان يتوقف عنده مليا وربما اخذه في الاعتبار، من عناوينه العريضة ان يترك له حق تسمية الرئيس المقبل وان يقر قانون انتخاب قائم على اساس النسبية يحظى بموافقة عون. من البديهي الاشارة في السياق عينه الى ان اي تسوية تفضي الى إبعاد القوي في طائفته عن المركز الاول المخصص لهذه الطائفة من باب اولى ان ينسحب ذلك على الرئاستين الثانية والثالثة ليكون ظلم في الرعية عدل في السوية . وتستدرك تلك القيادات لتقول : ربما هذا العرض يكون المخرج المضمون الذي قد يرتضيه عون لطي المأزق الرئاسي الذي بات شكوى الجميع ولانهاء عملية تقاذف كرة المسؤولية عن التعطيل.

لا شك في ان هناك من يرى ان هذه الاثمان المطلوبة كبيرة، ولكنها وفق القيادات اياها فرضت نفسها كمخرج لازم للخروج من حال التشرنق وتلافي الاسوأ. وما يضاعف الحاجة الى التفكير الجدي بهذا العرض او ما يشاكله ان لعبة “التذاكي” و”العروض المفخخة” ومحاولات “الاغراء والاغواء” قد جربت بالتتابع خلال العامين المنصرمين وبالتحديد منذ وعْد الحريري لعون في لقاء روما ثم ترشيح جعجع ثم التخلي عنه لمصلحة عرض فرنجية مرشحا من صلب 8 اذار، لتبدأ بعدها عملية ضغط منظمة على معارضي هذا الخيار وفي مقدمهم “حزب الله” وعون، كان اللافت فيها تصدّر الرئيس نبيه بري الحملة عبر الترويج لمقولة ان انتخاب الرئيس اقرب من اي وقت مضى.

قبل اربعة ايام اعاد كريم بقرادوني في مقابلة صحافية تظهير مسألة اساسية هي ان وصول العماد عون الى قصر الرئاسة هو الضامن الحصري لعودة آمنة للحريري الى السرايا الحكومية، وهذا الكلام ينطوي على نحو او آخر على تذكير بالعرض الذي سبق لعون ان قدمه الى زعيم “التيار الازرق” في لقاء روما الشهير وفحواه انني انا الوحيد الذي اضمن لك عودة آمنة وسلسة الى الرئاسة الثالثة ، طبعا شرط ان تساهم في وصولي الى بعبدا.

ووفق الدوائر المعنية بالامر في “حزب الله” ان موضوع القبول بعودة الحريري الى المنصب الذي اقصي منه لم يبت بعد ، ولكن عون وحده يملك ان يمون على الحزب في القضايا ذات الطبيعة الاستراتيجية. ولم يعد خافيا ان في الكواليس السياسية المحيطة بالحزب كلاما يسري شيئا فشيئا جوهره انه لم يتطرق بعد مع الرئيس بري الى موضوع الاستحقاق الرئاسي لكي لا يعطي تعهدات وما يليها من استحقاقات، وانه ابلغ من أتاه من الجانب الاخر انه لا يرى ضرورة الآن في التواصل مع الحريري لانه ليس مستعدا بعد لاعطائه اي تعهدات.