أبدع ما في الصوت التفضيلي أنه فرّق العشاق… أصلاً كانوا على صوص ونقطة «قيد التفرّق» كما قال سياسي عتيق يتفرّج «من فوق» على هذا الماراثون الإنتخابي الذي يمكن وصفه بأنه خارج أي مألوف سباقي. إذ إن المبدأ في السباقات أنك تعرف من أين تبتدئ والى أين تمضي. أما بقانون الإنتخاب الحالي فالمتبارون لا يعرفون أين المنطلق وأين المسار وأين النهاية.
طبعاً هذا التوصيف أكثر ما ينطبق على المرشحين المستقلين وبالذات أولئك الذين ليس لهم أي حيثية حزبية، وهم كُثر ولكن ظروف المعركة مشفوعة بنصوص القانون تجعل عددهم يتقلّص يوماً بعد آخر. ومعظم هؤلاء يواجهون «ڤيتو» من قًبَلِ أركان لوائح الأحزاب والتكتلات لأنّهم (أي المستقلون) «متهمون» بأنهم يأكلون من الصحن الحزبي من دون أن يسهموا بصوت تفضيلي واحد لسواهم في اللائحة… فإبن هذه العائلة سيؤتى به الى اللائحة مقابل أصوات عائلته التي ستمنحه صوت أفرادها التفضيلي حصرياً.
والأظرف أن الشكّ يضرب بقوة ضمن مرشّحي الأحزاب أنفسهم إلاّ إذا كان لهذه الأحزاب أسماء مثل حزب اللّه وحركة أمل حيث كل شيء مضبوط «على الليبرة»، وحيث التعليمات تلامس الأوامر المقدّسة: هذه البلدة تمنح صوتها التفضيلي لفلان من المرشحين، وتلك القرى الصغيرة مجتمعة تمنحه لمرشح آخر، وسواها الى المرشح الثالث… وهذا تدبير وقائي يقول العارفون إن «الحزب» و«الحركة» اعتمداه كل في نطاق نفوذه، كي لا تهب رياح أي مفاجأة تعكّر صفو البال وواقع الحال وحسن الختام والمآل!
وفي تقدير البعض أنه إذا لم يكن لـ «الصوت التفضيلي» من فضل إلاّ هذا الفضل، فهو جدير بالإحترام (!) لأنها المرّة الأولى أقله منذ مطلع التسعينات حتى اليوم، تقترب الإنتخابات بهذا المقدار الزمني المحدود من دون أن يستطيع أي فريق أن ينام «ملء جفنه عن أوابدها»… «ليسهر الخصم جوّاها» (…) كما قال شاعر العربية الأكبر أبو الطيب المتنبي.. فالجميع في السهر والأرق والسهاد متساوون، (وتكراراً) باستثناء الثنائي الشيعي لا يستطيع أحد أن يحتفل بالإنتصار من قبل أن تُعلن النتائج رسمياً من مكتب نهاد المشنوق.
وهذا في حد ذاته إنجاز لا يُستهان به، إذ يكفي أنّه خلّصنا من البوسطات… وما أدراك ما البوسطات وما لركوبها من أثمان باهظة مالية بالطبع و«كرامتيّة» كذلك… والثانية «أشدّ وأدهى» على ما قال شاعرنا الملهم الأخطل الصغير بشارة الخوري الذي اعتبر رحيل سعد زغلول «أشد وأدهى» من أن يُغَيَّضَ النيل!
والبركة في الصوت التفضيلي.