Site icon IMLebanon

كارثة إضافية: الفيروسات في كلِّ صحن

 

 

صدور دراستين حديثاً تتعلقان بنتائج فحوصات مخبرية أُجريت على اللحوم والدجاج والالبان والتوابل، سيعيد الى الواجهة حكماً ملف سلامة الغذاء. واللافت انّ احدى هذه الدراسات تعود الى عينات اتُخذت ما بين عامي 2015 و 2017، والثانية من عينات أُخذت في العام 2018، اي في زمن ما كان يُعرف بـ”البحبوحة”، مقارنة مع الأحوال التي وصل اليها اللبنانيون عام 2020. فهل من يراقب اليوم ماذا يأكل اللبناني؟ وماذا يُطرح في الاسواق في ظلّ هذه الضائقة الاقتصادية؟

 

“غير مطابق للمواصفات” عبارة درجت كثيراً ابّان حملة سلامة الغذاء التي أطلقتها الحكومة اللبنانية خلال الاعوام (2015-2017) بعدما جرى أخذ عينات من الغذاء، تمّ جمعها عشوائياً من جميع انحاء البلاد لفحصها، لكن لم يتمّ تحليلها لتحديد الأطعمة عالية الخطورة وسبب الملوثات الأكثر انتشاراً على المستوى الوطني أو عبر المحافظات وتحديدها.

 

من هذه النقطة انطلق عمل قسم التغذية وعلوم الغذاء في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت AUB، من فريق من الدكاترة المتخصصين، ضمّ سامر خروبي، نيفين نصر، مروى دياب الحركة، عبدالله الحاج سليمان، وعصمت قاسم، بالتعاون مع مركز سلامة الغذاء، قسم علوم وتكنولوجيا الأغذية في جامعة جورجيا في الولايات المتحدة، الذي اجرى تحليلاً إحصائياً متعمقاً للبيانات، والذي تضمّن 11625 عينة طعام فردية، فتكشّفت الكارثة، إذ اظهرت التحليلات أنّ نسبة 55% من عينات المياه المختبرة، و49.3% من التوابل و34.4% من اللحوم الحمراء و30.9% من الدواجن و28.3% من منتجات الألبان، لم تطابق المعايير الجرثومية.

 

كما أظهرت الدراسة، انّ الملوثات البيولوجية الأكثر شيوعاً التي تمّ اكتشافها في هذه الاطعمة، هي البكتيريا الكبريتية sulfate-reducing bacteria بنسبة (34.7%)، الايكولاي Escherichia coli بنسبة (32.1%) وهو مؤشر لتلوث بالبراز والذي قد يؤدي الى امراض مستعصية، القولونيات coliforms بنحو 19.6% (وهي بكتيريا تدل الى تلوث بالبراز)، المكورات العنقودية الذهبية Staphylococcus aureus stecoq بنسبة 12.8% جرثومة تفرز مادة مسمّمة في الطعام، والسالمونيلا Salmonella بنسبة 11.6%.

 

 

 

توزيع مناطقي

عند تقييم توزيع العينات غير المقبولة حسب المحافظة (الموقع الجغرافي)، لوحظ أنّ 31.7% من جميع العينات من محافظة الشمال تمّ رفضها، إما لأنّها ملوثة جداً او لأنّها عفنة، بينما 29.9% و 27.3% من العينات غير مقبولة في جنوب لبنان وجبل لبنان على التوالي. فيما سجّلت بيروت أدنى نسبة (23.8%) من العينات غير مقبولة. وكشف تحليل إضافي للبيانات، أنّ الفئات الغذائية ذات النسب الأعلى من العينات غير المقبولة شملت اللحوم الحمراء ولحوم الدواجن والألبان والتوابل في محافظات الشمال والجنوب وجبل لبنان والبقاع. ومع ذلك، كانت اللحوم الحمراء والتوابل والأطعمة الأخرى هي الفئات الثلاث الأكثر خطورة في محافظة بيروت.

 

 

 

تلوث العينات

– أظهرت عينات اللحوم الحمراء والتي شكّلت 65.2% من جميع العينات المرفوضة، ملوثة بمستويات غير مقبولة من بكتيريا S. aureus ، و 46.2% بـ SRB ، و 55.3% Escherichia coli ، و 52.5% بـ L. monocytogenes ، و 32.6% بـ Salmonella spp.

– شكّلت عينات لحوم الدواجن 62.0% من جميع العينات المرفوضة، ملوثة بمستويات غير مقبولة من Salmonella spp بنسبة 33.8% مع SRB %23.2 بكتيريا هوائية، و 22% مع L. monocytogenes .

– شكّلت عينات الألبان 38.7% من جميع العينات المرفوضة، ملوثة بمستويات غير مقبولة من القولونيات بنسبة37.1% بالخميرة/الفطريات، 23.7% بـ L. monocytogenes، و9.7% بـEscherichia coli

– وفي النتائج، شكّلت التوابل 74.1% و 35% من العينات المرفوضة بسبب الأفلاتوكسين والخميرة/ الفطريات على التوالي. وكشف تحليل إضافي عن وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين مجموعة الطعام والملوثات الميكروبية (قيمة p <0.001).

وقد خلصت الدراسة الى انّ لبنان يحتاج إلى برامج صارمة ومستدامة لمراقبة جودة وسلامة الأغذية، ونظرًا لنقص الموارد. وأوصت بضرورة التركيز على برامج التوعية المكثفة التي تهدف إلى تعزيز المعرفة بسلامة الغذاء من المزرعة إلى الشوكة.

 

 

 

دراسة عن اللحوم

أما الدراسة الثانية، فتمحورت حول اللحم المفروم النيء، كونه من بين أكثر منتجات اللحوم استهلاكاً، لتخلص الى انّه مصدر قلق كبير، وأنّ سلامة الغذاء في لبنان تعاني من تحدّيات موثقة. فقد تمّ قياس انتشار وكميات القولونيات البرازية والإشريكية القولونية لتقييم القبول الميكروبيولوجي للحوم البقر المفروم في لبنان. بالإضافة إلى ذلك ، تمّ تحديد أنماط مقاومة المضادات الحيوية، اي مدى مقاومة المضادات الحيوية لهذا النوع من الميكروبات. وجرى تحليل 50 عينة لحوم و120 عزلة من Escherichia coli. وأظهرت النتائج أنّ 98% و 76% من عينات اللحوم احتوت على القولونيات البرازية والإشريكية القولونية fecal coliforms and E. coli أعلى من مستوى قبول الميكروبات على التوالي. وكانت جميع E. coli مقاومة لمضاد حيوي واحد على الأقل، بينما كانت 35% من العزلات مقاومة للأدوية المتعددة multidrug-resistant (MDR. كما اظهرت نتائج فحوصات أُجريت على لحوم الدجاج (الاسفينة) انّ 85.5% مرفوضة جرثومياً.

 

وخلصت الدراسة الى انّ لبنان بحاجة إلى تحديث أنظمة سلامة الأغذية، لتتبع وتقليل مستويات التلوث المحتمل في الأطعمة المهمة، وتنفيذ برامج للسيطرة على انتشار مقاومة مضادات الميكروبات في النظم الغذائية.

 

 

 

قراءة لنتائج الدراسات

في هذا السياق، أكّد أحد المشاركين في إعداد هاتين الدراستين، ويعمل في الجامعة الاميركية- اللبنانية وجامعة جورجيا في الولايات المتحدة وأحد مؤسسي food safety prog في AUB الدكتورعصمت قاسم، انّ النتائج التي توصلت اليها هذه الدراسات تؤكّد انّ لدينا نسبة كبيرة من التلوث الغذائي في لبنان، بحيث انّ 28.7 % من أصل 11500 عينة مرفوضة جرثومياً، بما يعني انّ وجبة من كل 4 وجبات نأكلها يومياً يُحتمل ان تكون ملوثة وهذه مخاطرة كبيرة. ولفت الى انّ العينات التي اخذتها وزارة الصحة لم تدرس كل انواع الملوثات (جرثومية، بيولوجية، كيمائية (زئبق رصاص..) الفيروسات الملوثة (مثل norovirus الذي يُعدّ أكثر مسببات التلوث في الاكل). لذا انطلقت الدراسة على تحليل اسباب التلوث ومكامنه، لأنّ هذه الأسباب تسبّب عوارض صحية، وغالباً ما تؤدّي الى نتائج مميتة، والأسوأ انّ غالبية هذه الملوثات باتت قادرة على مقاومة المضادات الحيوية.

 

وشدّد قاسم على انّ عدم معالجة سلامة الغذاء سيؤدّي الى خسارة في السياحة والصحة والتصدير الصناعي والزراعي. وقد أظهرت الارقام انّ المناطق الاكثر فقراً تعاني اكثر من الملوثات الغذائية، حيث يصعب الحصول بسهولة على الخدمات الصحية، فكيف الحال اليوم في ظلّ هذا التراجع في المستوى المعيشي والصحي ووسط انتشار مجتمعي لوباء كورونا؟

 

وشدّد قاسم على انّ الحفاظ على صحة المواطن هو استثمار على المديين القريب والبعيد، وفي الحرص على توفير سلامة الغذاء انعكاسات ايجابية على اقتصاد البلاد والسياحة والصحة، خصوصاً أنّها عامل جذب وثقة في البلاد، وكل دول العالم تتشدّد في هذا الإطار.

 

وقال: “للأسف انّ التلوث في لبنان أكل الاخضر واليابس. وفي حال لم يعِ المسؤولون خطورة هذا التلوث، لا سيما في الغذاء والمياه، فستصبح البيئة في لبنان خطراً على مواطنيها، ووقعها اخطر من الكورونا”.