الوضع المأسوي الذي يعيشه اللبنانيون عموماً وابناء طرابلس وبعض عكار والمنية خصوصاً، لا يتحمله فريق واحد في لبنان، بل تتوزع مسؤوليته على عدد من الافرقاء، ولو بنسب مختلفة، كانوا وما زالوا في سدّة المسؤولية، امّا الكاملة او الجزئية، وخصوصاً في السنوات الاربع الماضية، على اثر اشتعال الانتفاضة الشعبية في سوريا، التي وضعها البعض، بقصد اجهاضها، في خانة الصراع المذهبي، بين الاكثرية السنية من جهة، والعلويين والشيعة من جهة ثانية، دون توفير المسيحيين والدروز والاكراد والمذاهب الصغيرة الاخرى، وقد رحّب المسلمون السنّة، بشبه اجماع، بهذه الانتفاضة الشعبية، الاّ ان الجماعات الاصولية التكفيرية وجدتها فرصة لمقاتلة النظام في سوريا، بسبب خلافات عميقة الجذور بين الطرفين، ومواجهات مسلحة، بدأت في فترة الحرب اللبنانية وامتدت الى عهد الوصاية السورية على لبنان، ولم يتأخر كثيراً حزب الله لينغمس هو ايضاً في الحرب – المجزرة التي تدور على الارض السورية، وتطوّر تدخله من المحافظة على اللبنانيين المقيمين في سوريا، الى القتال لمنع انهيار النظام السوري، وقد فجّر هذا التدخل المزدوج في سوريا، الاحقاد التاريخية والآنية، بين حزب الله الشيعي، وبين التنظيمات والحركات الاصولية السنيّة، خصوصاً بعد تدفق النازحين السوريين الفوضوي والمتفلت من كل ضابط الى لبنان وانتشارهم العشوائي على مساحة الوطن كلّه، ربما من ضمن خطّة مسبقة لاغراق لبنان في المشاكل والفوضى والعدد غير المسبوق، بحيث ان هناك عدداً لا يستهان به من النازحين السوريين اتوا الى لبنان من بلدات وقرى حدودية مع تركيا والعراق والاردن، وهذا الوضع المدان، مسؤولة عنه الحكومة السابقة، وتليها في المسؤولية حكومة الرئيس تمام سلام، اما المسؤولية الكبيرة يتحملها الافرقاء الذين رفضوا المطالبة المستمرة من قبل قوى 14 آذار، لجعل طرابلس، مدينة منزوعة السلاح، لوقف جولات القتل بين باب التبانة وجبل محسن، وحُمّل حزب الله يومها مسؤولية عرقلة هذا الطلب، كما حمّل بالامس مسؤولية عرقلة الخطة الامنية لطرابلس والبقاع والشمال وبيروت، على لسان وزير الداخلية نهاد المشنوق، ولا تتوقف المسؤوليات عند المسؤولين والحكومات والمشاركين فيها، بل ان رجال الدين يتحمّلون مسؤوليات مختلفة، كان يمكن ان يخففوا من الفلتان والتوتر والفراغ المستولي على الدولة لو انهم اخذوا المواقف الحازمة الصائبة، فالبطريرك بشارة الراعي، كان يجب ان يمارس صلاحياته الروحية بحق المسيحيين الموارنة الذين يعتبر انهم يهددون الوجود المسيحي في لبنان، ويهددون منصب الرئاسة الاولى، بدلاً من اطلاق التصريحات الملتبسة المتناقضة التي لا تقدم ولا تؤخر، كما ان الخلاف داخل الطائفة السنية مع المفتي السابق رشيد قباني، افلت الحبل لبعض المشايخ المتزمتين المتعصبين، الذين ملأوا هواء الاعلام دساً وتحريضاً، الى درجة ان احدهم بدأ بالامس يعطي الجنود السنّة «فيز سفر» اما الى الجنة اذا انشقوا عن الجيش او الى جهنم اذا قاتلوا في صفوفه.
****
كل من ذكرتهم، مسؤولون عمّا وصلنا اليه، بعضهم اخطأ خطيئة مميتة وبعضهم خطيئة عرضية، ولهؤلاء جميعاً، وخصوصاً لرجال الدين السنّة ممن يجرون البلاد الى الفتنة، اريد ان اذكّرهم بأن المسيحيين، اضطهدوا او حرموا وعذّبوا، وسجنوا، وقتلوا وهجّروا ايام الوصاية السورية، ونكّل بهم، ولكنهم لم يحملوا السلاح، ولم يهاجموا الجيش ولم يحرضوا عليه، ولم يتخلوا عن ايمانهم بالدولة وبالعيش المشترك، فلماذا اليوم تسعون بايديكم الى خراب لبنان وهدمه؟!